جوزيف بورل المسؤول عن السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي قام برحلة مدتها يومان إلى لبنان ومصر في محاولة لتخفيف التوترات من خلال الحوار مع المسؤولين اللبنانيين والمصريين. تأتي هذه الزيارة في الوقت الذي تم فيه منع بورل من الدخول إلى الأراضي المحتلة ولم يُسمح له بالسفر إليها.
محاولة بلا جدوى؟
لم تتمكن مواقف قادة أوروبا تجاه جرائم غزة من نقل رسالة رادعة قوية لإسرائيل بصورة فعالة. على الرغم من إدانتهم للجرائم الحربية، إلا أن الأوروبيين ما زالوا يواصلون بيع الأسلحة لإسرائيل. هذه الممارسة المتناقضة لدى القادة الأوروبيين لم تؤدِ سوى إلى زيادة التوترات في المنطقة بالإضافة إلى ذلك ساهمت في ازدياد وقاحة قادة إسرائيل حتى أنهم منعوا بورل من السفر إلى إسرائيل بعد أن اقترح فرض عقوبات ضد قادة النظام الإسرائيلي بسبب مواقفهم المتعلقة بالإبادة الجماعية والجرائم الحربية.[1]
تظهر هذه الإجراءات من جانب النظام الإسرائيلي بوضوح أنهم يشعرون بالراحة تجاه جرائمهم ويعتقدون أنهم بمنأى عن أي محاسبة. أدت هذه الثقة بالنفس إلى عدم تعرضهم لضغوط خارجية كبيرة خلال مفاوضات وقف إطلاق النار مما سمح لهم بمواصلة العمليات العسكرية في غزة.
ضف على ذلك تسعى إسرائيل للتوسع على الجبهة الشمالية وزيادة نطاق المواجهة مع لبنان. يبدو أن الاستراتيجية الإسرائيلية تتمثل في الاستعداد لضرب لبنان مع الحصول على أكبر دعم ممكن من شركائها بحيث يمكنهم تكرار جرائم غزة في لبنان بدعم سياسي وعسكري ولوجستي. يُمكن تفسير زيارة مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي إلى لبنان بأنها تشير إلى أن أوروبا لا تدعم توسيع الصراع في المنطقة بل تسعى لاستخدام الدبلوماسية لحل النزاع في جنوب لبنان.
يمكن أن يحمل تواجد بورل في لبنان والحوار مع المسؤولين اللبنانيين رسالة لإسرائيل مفادها أن أوروبا ليست موحدة في دعم سياسات نتنياهو الطموحة. كما يأمل بورل أن يتمكن من التوصل إلى اتفاق مع المسؤولين اللبنانيين وحزب الله لمنع التصعيد في المنطقة، وهو اتفاق يتطلب بلا شك قبول وقف إطلاق النار من قبل إسرائيل. ينبغي للاتحاد الأوروبي استخدام أدوات ضغط أكبر على إسرائيل من لبنان لأن حزب الله قد أعلن مرارًا أنه سيوقف جميع الأعمال العسكرية فور الإعلان عن وقف إطلاق النار.[2]
بالإضافة إلى لبنان كانت مصر الوجهة الأخرى لبورل حيث التقى هناك برئيس الجمهورية وناقش ضرورة الوصول إلى وقف إطلاق النار في أقرب وقت ممكن. خلال هذا الاجتماع تم التأكيد أيضًا على زيادة المساعدات الإنسانية وإرسال المزيد من المعدات الطبية إلى غزة.[3]
يبدو أن أوروبا تسعى لزيادة الضغط على كلا الطرفين للتوصل إلى اتفاق للوقف بإطلاق النار في أسرع وقت ممكن. إن زيارة لبنان ومصر، حيث يوجه أحدهما النزاع المباشر مع إسرائيل بينما يقوم الآخر بدور الوسيط، تعكس نظرة أوروبا وقلقها من تصاعد التوترات والنزاعات في منطقة جنوب غرب آسيا وشمال إفريقيا. في الحقيقة يبدو أن هذا القلق يتعلق بأوروبا نفسها أكثر من كونه من أجل شعوب المنطقة، حيث لا تمتلك أوروبا القدرة على استقبال موجات جديدة من المهاجرين. في حال حدوث عدم استقرار واسع في المنطقة، فإن هناك احتمالًا كبيرًا لارتفاع أسعار الطاقة مما قد يمثل تحديًا كبيرًا لأوروبا التي تحاول الخروج من الأزمات الاقتصادية، وقد يؤدي إلى تراجعها أمام المنافسين الرئيسيين مثل الصين والولايات المتحدة. لذلك فإن وقف إطلاق النار يمكن أن يقلل بشكل كبير من التوترات في المنطقة كما يمكن أن يعود بالفائدة على أوروبا وينقذها من دخول أزمة أكبر. اضافة إلى ذلك ستظهر أوروبا من خلال هذه الخطوات لسكانها خاصةً المهاجرين والمسلمين، أنها تولي اهتمامًا لقضية فلسطين وحقوق الإنسان، مما قد يساعد في تقليل الانقسامات بين المهاجرين والسكان المحليين وعدم الأمان في أوروبا.
في الختام يبدو أن هذه الزيارة لن يكون لها تأثير ملموس على سياسات وإجراءات إسرائيل، بل هي أكثر عرضًا بأسلوب أوروبي لإقناع الرأي العام الداخلي في أوروبا للتخفيف من الضغط الذي تعاني منه. محاولة بلا جدوى قد لا تؤتي ثمارها بسبب الدعم العسكري واللوجستي المقدم للنظام الإسرائيلي بل قد لا تُقنع حتى الرأي العام.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال