أفادت وسائل الإعلام عديدة في دول غرب آسيا في الأيام الماضية بأنه تم عقد الجولة الرابعة من الاجتماعات الأمنية بين العراق وتركيا. حيث تهدف هذه الاجتماعات الأمنية التي هي نتيجة اتفاقيات العام الماضي بين البلدين إلى تعزيز الأمن على الحدود المشتركة وتحسين العلاقات بينهما. ويسعى أردوغان إلى الضغط بشكل أكبر على حزب العمال الكردستاني (PKK) ويهدف إلى القضاء على عناصر هذه الجماعة المسلحة في المناطق الشمالية من العراق. كما شهدت تركيا في السنوات الماضية توترات كثيرة مع جيرانها، وقد تطورت هذه القضية في بعض الأحيان إلى صراعات مسلحة في سوريا والعراق. وهناك أسباب متعددة لتنفيذ هذه الاتفاقيات الأمنية بين البلدين في هذه المرحلة الزمنية، سنستعرضها فيما يلي:
زيادة التبادلات الاقتصادية تُعتبر واحدة من أهداف البلدين لتحسين العلاقات، إذ يسعى الطرفان إلى تعزيز التبادلات الاقتصادية بينهما. وكان العراق في السنوات الماضية يسعى باستمرار لتنمية اقتصاده ومع التركيز على ذلك قام بتحسين علاقاته مع بلدان منطقة غرب آسيا. ومن جانبها تبحث تركيا نظرًا لأهمية موقفها كجار عن تأمين نقاط النزاع على حدودها المشتركة مع العراق، حيث تدرك أنه من الضروري القضاء على الجماعات الإرهابية الكردية في شمال العراق أولاً قبل أن تحقق أهدافها الاقتصادية في العراق. هذه المسألة تعتبر حيوية لتركيا التي واجهت مشاكل اقتصادية عديدة في السنوات الأخيرة. لقد شهدت تركيا معدلات تضخم مرتفعة جدًا في السنة الماضية، وللتغلب على هذه المشكلة، تحتاج إلى تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع الدول المجاورة ولا سيما العراق.
قلق أردوغان بشأن الهجمات الإرهابية في تركيا. الأحداث الأمنية التي وقعت في السنوات الماضية في مدن تركيا جعلت أردوغان يدرك أنه إذا كان يرغب في تحقيق السلام والأمن في تركيا، يجب عليه أولاً القضاء على مركز حدوث هذه الهجمات الإرهابية. يدرك الرئيس التركي أنه إذا أراد أن يبقى على سدة السلطة في السنوات المقبلة، فعليه أن يتجنب تكرار الحوادث الأمنية في عاصمة تركيا، لأن الأحزاب السياسية المنافسة ستتمكن بسهولة من استغلال هذه النقطة الضعيفة لاستعادة السلطة من حزب الحكومة
هجرة رأس المال من تركيا، في ضوء المسائل الأمنية التي نشأت في السنوات السابقة، تراجعت الاستثمارات الأجنبية في تركيا بشكل ملحوظ مقارنة بالسنوات السابقة، وقد أدى هذا الأمر إلى ظهور مشاكل سلبية في الاقتصاد التركي. إذ إن المال في ظل غياب الأمن لا يمكن أن ينمو بشكل ملحوظ. كما أن الحرب الروسية الأوكرانية هي واحدة من الأسباب التي جعلت تركيا غير قادرة على إدارة علاقاتها الاقتصادية كدولة شاملة مع الجبهتين الشرقية والغربية. ومن الجدير بالذكر أنه بعد الحرب الروسية الأوكرانية، زادت الاستثمارات والتجارة الروسية في تركيا بشكل كبير، ومن جهة أخرى استهدفت العقوبات الغربية التجارة بين البلدين بشكل متساوٍ.
بشكل عام، ومع فهم هذه الظروف، يسعى أردوغان إلى تأمين حدوده مع العراق لمنع وقوع حوادث أمنية في مدن بلاده، حيث تُعتبر هذه التعليمات حمايةً للاستثمارات، سواء كانت محلية أو خارجية. و يجب القول إن أردوغان يواجه عدة قضايا رئيسية داخل بلاده، وقد أعد لها برامج محددة لإدارتها. فبحسب رؤية حكومة أردوغان، يُعتبر الحل لهذه المشاكل هو تأمين المدن التركية من المخاطر التي تسببها الأفعال الإرهابية التي تقوم بها الأحزاب المسلحة الكردية. من خلال هذه الاستراتيجية، يمكن لأردوغان أن ينظم الاقتصاد ويعزز عملية جذب الاستثمارات الأجنبية إلى تركيا. في السنوات الماضية، تمكن أردوغان من جذب الأموال الضخمة من كلا الجانبين الشرقي والغربي بفضل براغماتيته وعلاقاته مع دول مختلفة ومتباينة، مما أحدث تحولًا في الاقتصاد التركي.
هذه الظروف التي أثرت على المناخ الدولي في العام الماضي، و المرتبطة بالحرب الروسية الأوكرانية وعمليات "عاصفة الأقصى" في فلسطين، أخرجت الاقتصاد التركي عن نظامه السابق وأعادت تشكيل توقعات الاستثمار الدولي في تركيا. الآن يسعى أردوغان من خلال تأمين حدوده مع العراق وسورية إلى تقليص تأثير نقص الاستثمارات الدولية في تركيا وفتح أبواب البلاد أمام جيرانها لتعويض خروج المستثمرين الدوليين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال