أزمة صهيونية مضافة في عالم متغير الأولويات 181

أزمة صهيونية مضافة في عالم متغير الأولويات

مع السخونة المتزايدة باضطراد للجبهة الروسية - الأوكرانية والتي وصلت حد تداول مقالات روسية تناقش للمرة الأولى أحقية روسيا في استخدام أسلحة نووية تكتيكية، وتنافش احتمالات الرد الأمريكي والغربي عليها من عدمه، باتت السياسة الدولية تمر بمنحدرات خطيرة، وضاق معها هامش السياسات المتنوعة والبدائل، وأصبحت في وضع لا يتيح سوى نوعًا واحدًا تقريبًا من السياسات المعروفة على جبهات الاشتباك، وهو "سياسة حافة الهاوية"، ونوعًا آخر من الدبلوماسية العنيفة على الجبهات غير المباشرة، يتمثل في الدفع لتغيير الأنظمة غير المتعاونة، أو الدبلوماسية القسرية مع الدول التي يصعب تغيير أنظمتها.


وهنا يمكننا استنتاج قاعدة مفادها أن التعاطي الأمريكي الراهن مع الملفات والقوى المختلفة الدولية والإقليمية يتوقف على مدى علاقتها بالأولوية الأمريكية الراهنة وهي إفشال روسيا وهزيمتها، فكلما تعلق الملف بالحرب في أوكرانيا زادت حدة التعامل الأمريكي، والعكس.


وكمثال لحافة الهاوية، نجد مثالًا يشكل مفارقة كبيرة، حيث نرى أن أمريكا والبنتاعون لم يبديا تعاطيًا جادًا مع الصياح الصهيوني والتهديدات بشن هجوم اسرائيلي على ايران، بينما وجدنا تحركًا أمريكيًا بالتواجد العسكري بالخليج واستعراضًا للقوة لإرسال رسائل لإيران على خلفية تنامي التعاون العسكري بين إيران وروسيا وادعاءات أمريكا بإمداد ايران لروسيا بالطائرات المسيرة والسعي لامتلاك المروحيات الروسية الهجومية.


وكأمثلة للدبلوماسية العنيفة، يمكننا أن نرى النموذج الباكستاني، وما يفعله قائد الجيش الباكستاني الجنرال "قمر جاويد باجوا"، والذي قال إن بلاده تسعى لتوسيع علاقاتها مع واشنطن، بالتنكيل بعمران خان، وذلك بعد الإطاحة به على خلفية تحديه للهيمنة ورفض معاقبة الروس ناهيك عن تعاونه مع الصين في مشروع يشكل خطًا أحمر في الاستراتيجية الأمريكية وهو مشروع الحزام والطريق الصيني.


وهنا تستخدم أمريكا أدواتها المتاحة في كل جبهة وفقًا لظروفها، والجبهة الباكستانية وجيشها الموالي لأمريكا نموذج للجبهات التي تسمح الظروف بها بالإطاحة المباشرة بمن يناهض أمريكا.

بينما في النموذح التركي، يشكل أردوغان خالة خاصة، فهو ليس تابعًا مطيعًا ولا مناهضًا عنيدًا، حيث يحمل تصورًا لمشروع تركي له أبعاد خارجية توسعية، وهو نموذج مقلق لأمريكا والتي تنظر لتركيا جيوسياسيًا باعتبارها اختراقًا أطلسيًا في الخاصرة الروسية يجب أن تتبع مفردات الحلف الأطلسي حصرًا دون تجويد أو تمايز.


ولعراقة التجربة الديمقراطية التركية وصعوبة الإطاحة بأردوغان عن طريق الانقلابات العسكرية، وقد تم تجريبها وفشلت، فإن أمريكا ألقت بثفلها في الانتخابات التركية ودعمت المرشح المنافس وعملت على توحيد أحزاب المعارضة تحت رايته والتنسيق لانسحاب أحد المرشحين وهو محرم انجه لضم أصوات كتلته لمنافس اردوغانن وفقًا لاتهامات وزير الداخلية التركي.


وربما سيتضح التدخل بشكل أكثر حدة في الأيام القادمة التي تسبق جولة الإعادة، وهو ما يشي بتحركات أمريكية على جميع الجبهات وفقًا لظروف كل جبهة.


وعلى مستوى العدو الإسرائيلي، فإن الخناق يضيق عليه بسبب الأولوية الأمريكية دوليًا وبسبب الإدارة الديمقراطية لبايدن على المستوى الداخلي الصهيوني، وهو ما يمثل قيودًا أمريكية على الكيان يمكن تلخيصها سريعًا كما يلي:


1- لا تفكر أمريكا في التورط في صراع مسلح مباشر وتريد الاحتفاظ بمنطق الدعم للحلفاء والحصار على الخصوم ولا تريد أي نوع من المجازفات في أي ملف ولا تريد التورط في تعميق الخلافات مع أي من التابعين لها حتى لا يشكل ذلك فراغًا يمكن للروس أو الصين أن تملأه.


وبالتالي، لا تدعم أمريكا التصريحات العنترية الصهيونية بخصوص مهاجمة إيران ولا تريد حربًا واسعة مع غزة ومع المقاومة يمكن لها التدحرج وجر رجل أمريكا لها، وهو ما يضيق هامش المناورات الصهيونية حتى على مستوى التصريحات والتهديدات.


2- تريد أمريكا دعمًا صريحًا لأوكرانيا وهو ما يؤثر على المساعدات الأمريكية للكيان من جهة، ناهيك عن سحب مخزون الذخائر المتواجدة في "اسرائيل" والتي يمكن أن تشكل احتياطيًا للكيان عند نشوب حرب كبرى، بالإضافة إلى إمكانية تورط الكيان في مواجهة مع روسيا وخاصة في الجبهة السورية.


3- يشكل التوجه (الديمقراطي) لإدارة بايدن قيدًا كبيرًا على ممارسات الحكومة اليمينية لنتنياهو وخاصة في التعامل مع الاحتجاجات الداخلية والتعاطي مع المعارضة، كما يشكل سقفًا للدعم العلني الأمريكي للجرائم ضد الفلسطينيين، حيث تلتزم أمريكا ببعض الأسقف لتجميل صورتها وادعاءاتها الديمقراطية الزائفة.


هنا نجد أن العدو أصبح محشورًا في ركن ضيق، بعد تآكل الردع مع المقاومة على جميع الجبهات من الشمال إلى الجنوب، وأزمة سياسية داخلية ذات صلة مباشرة بالردع، حيث لا حل لها إلا بترضية حلفائه بانتهاك واستباحة الدم الفلسطيني، أو القمع الداخلي والديكتاتورية الصريحة وزيادة التناقض والخلاف مع أمريكا.


من هنا يمكننا رصد الحالة العصبية للكيان وارتباكه، وعلامات التراجع الخطير والتي يمكن تلخيصها في ملمحين رئيسيين:


 1- الإقدام على خطوات انتقامية لا تعكس رؤية استراتيحية، مثل سياسة الاغتيالات مجددا رغم يقين العدو بأنها لن تقضي على المقاومة بل تتجدد القيادات ويزداد الصمود والزخم، وهو دليل يأس.

2- التفاخر بإنجازات وهمية لا تشكل معادلات استراتيجية بل تشكل خطوات انتحارية ومجازفات، وهو دليل إفلاس.


إيهاب شوقي

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال