من حيث المكان والتوقيت كانت العملية مفاجئة لمختلف الأطراف، وخاصة الاحتلال الذي كان يعتقد أن الحدود المصرية آمنة، وأنه لا مخاطر يمكن أن تأتي منها في ظل "اتفاق" مع المصريين
أثارت العملية التي نفذها جندي مصري ضد قوات “جيش” الاحتلال في المنطقة الحدودية بين جمهورية مصر العربية والأراضي الفلسطينية المحتلة حالة من الصدمة والسخط لدى “جيش” الاحتلال، صاحبتها مشاعر غضب من ضعف الجندي الإسرائيلي، وعدم قدرة الجيش على حماية حدوده، في هجوم هو الثاني خلال العام، بعد عملية مجدو التي جاءت من شمال فلسطين المحتلة.
العملية التي نفذها الجندي المصري حملت العديد من الدلالات والمؤشرات بشأن طبيعة الحدود والقدرة على توجيه ضربات لقوات الاحتلال، وفضحت زيف الهالة الكبيرة التي يصنعها الاحتلال على مدار العقود الماضية حول قدراته العسكرية على مستوى الدفاع والمواجهة والسيطرة الإلكترونية وانتشار القوات في المناطق الحدودية.
وبرغم أن جميع المؤشرات تشير إلى أن العملية جاءت بتخطيط فردي من الجندي المصري، فإن أخطر ما فيها يتمثل في أنها تعطي صورة تحفيزية لكل من يرغب في مهاجمة حدود الاحتلال، سواء على الحدود المصرية أو الأردنية، فيما يتمثل الخوف الإسرائيلي من أن يفكر جنود آخرون في تكرار ما حدث؛ في ظل الجرائم الإسرائيلية بحق المقدسات الإسلامية، لتصبح هذه العمليات ظاهرة ذات كلفة عالية على “دولة” الاحتلال.
من حيث المكان والتوقيت كانت العملية مفاجئة لمختلف الأطراف، وخاصة الاحتلال الذي كان يعتقد أن الحدود المصرية آمنة، وأنه لا مخاطر يمكن أن تأتي منها في ظل “اتفاق” مع المصريين، لكنه لم يدرك أنه استفز المصريين وأعاد شحن غضبهم بعدما نشر في عام 2022 تقارير صحفية تحدثت عن جرائم بشعة ارتكبها جنود إسرائيليون بحق الجنود المصريين خلال حرب 1967. وكان يوسي ميلمان، وهو صحفي ومؤرخ إسرائيلي، نشر في الثامن من تموز/ يوليو 2022 سلسلة تغريدات أكد فيها أن “أكثر من 20 جندياً مصرياً أُحرقوا أحياء، ودفنهم الجيش الإسرائيلي في مقبرة جماعية، لم يتم وضع علامات عليها، في مخالفة لقوانين الحرب”، فيما تحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية عن “مقبرة جماعية تضم رفات 80 جندياً مصرياً شاركوا في حرب 1967، كقوة مساندة للجيش الأردني آنذاك، ودفنوا في منطقة اللطرون شمال غرب مدينة القدس، فيما أقامت دولة الاحتلال شوارع ومباني فوق مقبرتهم”.
وللعملية دلالة واضحة أنه على الرغم من “اتفاقيات السلام” بين الاحتلال وجمهورية مصر العربية فإن عودة الاحتلال إلى استفزاز المصريين يمكن أن تحفز الجنود المصريين للرد بشكل فردي، كتعبير واضح عن العقيدة العسكرية للجيش المصري الذي لا يزال يعدّ “دولة” الاحتلال العدو الأخطر.
وحملت العملية التي قتل فيها ثلاثة جنود من “جيش” الاحتلال دلالات مهمة، أبرزها: أن أسطورة الحدود الإسرائيلية ما هي إلا وهم ويمكن اختراقها، وقد جاءت لتؤكد ما كشفته قبلها “عملية مجدو” التي جرت شمال فلسطين المحتلة في آذار/مارس من العام الجاري، وبربط العمليتين ببعضهما، يمكن القول إن هناك مؤشرات خطيرة بتحركات على الحدود التي كانت تعدّها “دولة” الاحتلال آمنة، وسط تخوفات من أن تقع عملية أخرى خلال الفترة المقبلة انطلاقاً من الحدود الأردنية. من ناحية ثانية، تؤكد العملية صلابة الجندي العربي وقدرته على مواجهة “جيش” الاحتلال، مقابل هشاشة الجندي الإسرائيلي وعدم قدرته على المواجهة المباشرة، على الرغم من فارق التدريب والتسليح والقدرات، وهذا يحمل دلالات خطيرة لـ”دولة” الاحتلال التي ترى أن العرب تزداد لديهم الدافعية للتضحية والقتال، بينما تتضاءل وتتراجع لدى الجنود الإسرائيليين.
الدلالة الأخطر بالنسبة إلى “دولة” الاحتلال تتمثل في ألا تكون هذه العملية فردية، وأن هناك أطرافاً تحاول استخدام هذا الأسلوب لتشتيت قوة “دولة” الاحتلال، ضمن سيناريوهات تعدد الجبهات ضد “دولة” الاحتلال، وأنه في حال وجود مواجهة كبيرة في المنطقة بين “إسرائيل” وأطراف محور المقاومة فإنه يمكن تفعيل مثل هذه العمليات.
هناك تخوف إسرائيلي على المستوى القريب من أن المشهد الناجح للعملية يمكن أن يؤدي إلى تحفيز جنود آخرين، سواء على الحدود المصرية أو الحدود الأردنية، لتنفيذ عمليات مشابهة خلال الفترة المقبلة، وفي هذا الإطار، رجح عاموس هرئيل محلل الشؤون العسكرية أن الجندي المصري نفذ الهجوم “بعد تحوّل أيديولوجي راديكالي، سواء كان ذلك بتأثير منظمة إسلامية أو كتماثل مع الكفاح الفلسطيني ضد إسرائيل”.
الإعلام الإسرائيلي أشار إلى دلالات أخرى تتعلق باستعدادات “جيش” الاحتلال للمخاطر التي تواجهه، إذ قال يوسي يهوشع مراسل صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية: “قبل الحديث عن مهاجمة إيران، يجب فحص القوات البرية، الجيش أهمل القوات البرية وركز على الاستخبارات وسلاح الطيران كما يحدث في المناورة الجارية حالياً، سيتقابل جنود الجيش الإسرائيلي مع مقاتلي قوة الرضوان في لبنان والمدربة تدريب كوماندوز، وإذا كانت هذه نتيجة ضد جندي مصري غير مدرب فيجب على الجيش الإسرائيلي إجراء فحص داخل المنزل وتغيير سلم الأولويات”.
بالمجمل، قد تكون عملية الحدود المصرية غير منظمة بخلاف عملية مجدو التي تحمل مؤشرات وجود جهة منظمة خلفها، لكنهما تحملان مؤشرات بتغيرات في طبيعة التعامل مع حدود “دولة” الاحتلال، وهذا الأمر من الناحية الاستراتيجية يمثل تهديداً جديداً أمام “جيش” الاحتلال ومنظومته الأمنية.
المصدر: الميادين
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال