يشهد المعسكر الصهيو ــ أمريكي أزمة حادة وغير مسبوقة، تتمثل في تناقض كبير مركّب، بين حقيقة القوة وحقيقة ادعاء القوة من جهة، وبين الاتساق مع دعاوى الديمقراطية المزعومة من جهة أخرى.
فلطالما اقتات الأمريكيون والصهاينة على فجوة القوة بينهما وبين الخصوم وعدم توفر الظروف الموضوعية لوجود مواجهة كبرى رغم الصمود الذي شكلته قوى المقاومة، وبعد بروز القوى المناهضة دولياً مثل روسيا وخروجها لمعركة دولية كبرى واختبار التوازنات عملياً، وبعد خروج المقاومة بالإقليم عن حالة الدفاع والبدء في المبادرات، بدا المعسكر الصهيو ــ امريكي مرتبكاً وعاجزاً عن بلورة سياسة تتوافق مع الوضع الجديد، وبدا متخبطاً في ممارساته وتصريحاته.
كما تناقضت الدعاوى الديمقراطية الأمريكية مع التحالفات الاستراتيجية العميقة مع السعودية والكيان الصهيوني، حيث وجدت إدارة أمريكية مثل إدارة بايدن والتي تصدر دعاوى الديمقراطية وحقوق الإنسان وتطرح طرحاً سياسياً يدعي الليبرالية واليسار، نفسها في ورطة بسبب تحالفها مع ولي العهد السعودي المتهم بالديكتاتورية وقتل الصحفيين وارتكاب جرائم الحرب في اليمن، وكذلك وجدت إدارة بايدن حكومة صهيونية على رأسها نتنياهو واليمين المتطرف، وهي ضربة كبرى لمصداقية أمريكا، لمن يحمل لها بقايا من مصداقية رغم كل ممارساتها الإجرامية تاريخياً.
ويبدو أن العامل المشترك لحل التناقض الأمريكي مع السعودية والكيان الصهيوني، يمر من بوابة واحدة، هي شيطنة المقاومة وعقد تحالفات دولية وإقليمية ضدها، بديلاً عن مواجهة مباشرة غير محسوبة العواقب، وهو ما نلمسه حالياً من تكثيف ٍ للتقارير والدعايات، واستعراضات القوة الأمريكية، والتي تعبر عن العجز أكثر مما تعبر عن فائض القوة أو اتخاذ قرار المواجهة.
ومؤخراً، ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”، أن السعودية نقلت معلومات استخباراتية إلى واشنطن تشير إلى توقع هجوم إيراني على السعودية وأهداف أخرى في العراق والشرق الأوسط، ونتيجة للمعلومات السعودية، تم وضع جميع القواعد والقوات الأمريكية في الشرق الأوسط في حالة تأهب.
كما قالت صحيفة “واشنطن بوست” إن الولايات المتحدة أرسلت طائرات حربية باتجاه إيران بعد ورود أنباء مؤخرا عن استعداد إيران لشن هجوم على السعودية، مضيفة: “عندما حذرت تقارير استخباراتية مؤخرا من هجمات صاروخية باليستية وطائرات بدون طيار إيرانية وشيكة على أهداف في المملكة، أطلقت القيادة المركزية الأمريكية طائرات مقاتلة متمركزة في منطقة الخليج تجاه إيران، كجزء من حالة التأهب القصوى العامة للقوات الأمريكية والسعودية. ووفقاً للصحيفة، يعتبر إرسال هذه الطائرات بمثابة الدليل على قوة وأهمية الشراكة بين الولايات المتحدة والسعودية.
ويبدو أن هذه التقارير السعودية هي تعبير عن ندم سعودي على تصعيد غير محسوب مع بايدن، ونوع من أنواع تحديث للعلاقات الاستراتيجية، ويبدو أيضا أن أمريكا تلقفتها كذريعة لوقف التصعيد، وفرصة لاستئناف العلاقات الاستراتيجية مع السعودية والتي لم تنقطع من الأساس!
على جانب آخر، تشكل عودة نتنياهو مأزقاً سياسياُ لإدارة بايدن التي تدعي اليسار والديمقراطية، حيث تشكل حكومة نتنياهو خرقاً فاضحاً لكل تعهدات أمريكا و”شرعيتها” في الوساطة لحل “الدولتين” المزعوم.
وقد رصد “دينيس روس” في مقال له بمعهد واشنطن هذا التناقض، وقال إن نتنياهو قد لا يكون مغامراً، لكن بن غفير وسموتريش هما كذلك. وسيكون لذلك تداعيات في الكيان على “عرب 48” والنظام القانوني ومع الفلسطينيين والزيادة المحتملة في العنف؛ ومع الشركاء العرب في السلام مع “إسرائيل” حسب تعبيره. وستصل ارتدادات ذلك إلى أمريكا أيضاً، فقد حذر السيناتور روبرت مينينديز، وهو ديمقراطي وسطي يشتهر بدعمه لـ”إسرائيل”، بوضوح من التداعيات على العلاقات الأمريكية ـ الإسرائيلية إذا تولى سموتريش وبن غفير مناصب بارزة في الحكومة. ويجب أن يدق ذلك أجراس الإنذار في “إسرائيل”.
ولكن روس تناول جانبا أكثر أهمية، يفسر الكثير من الممارسات الراهنة، حيث قال: “صحيح أن المصالح المشتركة مهمة، لكن الأمريكيين يرتبطون بـ”إسرائيل” بسبب القيم المشتركة. فهي التي جذبت هاري ترومان لدعم قيام “دولة إسرائيل”؛ ودفعت بجاك كينيدي ليكون أول من يتحدث عن إنشاء “علاقة خاصة”؛ وجعلت رونالد ريغان يرتبط بالدولة اليهودية. وبالمثل، أثمرت هذه القيم المشتركة عن دعم قوي لـ”إسرائيل” بين أعضاء الكونغرس الأمريكي والحزبين الجمهوري والديمقراطي القادمين من مقاطعات أو ولايات بالكاد تضم سكاناً يهود. وقد ساهمت هذه القيم المشتركة في صنع عدسة أظهرت المصالح بشكل أوضح، وجعلت “إسرائيل” تحظى بدعم الحزبين” على حد تعبيره.
وزعم أنه “في الوقت الذي يُشير استخدام الطائرات المسيّرة الروسية والإيرانية إلى ارتفاع مخاطر وتهديدات جديدة للعالم، فمن المرجح أن تؤدي التطويرات والمستجدات الإسرائيلية التي يمكن أن تغير قواعد اللعبة، مثل الدفاعات القائمة على الليزر، إلى إضافة المزيد إلى أهمية إسرائيل كشريك للولايات المتحدة”.
ربما كلام دينيس روس، يفسر أسباب التركيز على طائرات شاهد 136 الإيرانية، وتكثيف التقارير عن استخدامها في الحرب في أوكرانيا، وذلك بهدف واضح، وهو شيطنة ايران والمقاومة، لحل التناقض بين امريكا وحكومة نتنياهو المجرمة والمتطرفة.
ومؤخرا، أصدرت المواقع الاستخباراتية الصهيونية تقريرا يكشف اختبار الطائرة الانتحارية شاهد 136 في الولايات المتحدة ويكشف أن شاهد 136 لديها القدرة على الطيران من إيران إلى أي نقطة في “إسرائيل”، والتحليق فوقها لعدة ساعات ومهاجمتها في اللحظة المناسبة.
وتبع ذلك أن أعلن جيش العدو الإسرائيلي أنه بدأ تمريناً عسكرياً في الجبهة الشمالية، وهدفه تعزيز الاستعدادات في الساحة الشمالية ومواجهة حالات الطوارئ واختبار القدرات الجوية والبرية، وكلها محاولات لاستدرار الدعم الأمريكي وحل التناقض بين بايدن ونتنياهو، والذي لا يجرؤ على حرب فعلية مع المقاومة، وانما يقدم فقط أوراق اعتماده لناخبيه ولأمريكا!
إيهاب شوقي
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال