ألمانيا على طريق استعادة قوتها؟ 230

ألمانيا على طريق استعادة قوتها؟

في زيارة استمرت لمدة ثلاثة أيام، توجه المستشار الألماني السيد شولتس إلى آسيا الوسطى حيث لم يزر أي مستشار ألماني تلك المنطقة منذ أكثر من عشرين عامًا. وتهدف هذه الزيارة إلى تعزيز مجالات التعاون وتطوير اتفاقية التعاون الاستراتيجي بين ألمانيا ودول المنطقة. ويبدو أن ألمانيا تسعى لاستعادة مكانتها في هيكل النظام الدولي وتعمل على تحقيق ذلك من خلال نمط جديد من العلاقات.

دبلوماسية هادفة
تسعى الحكومة الألمانية بعد الحرب في أوكرانيا إلى تنويع مصادر الطاقة المستوردة وتسعى البلاد وهي مستفيدة من الدروس المسابقة بعدما حدث لها مع قضية روسيا إلى عدم التعرض لمثل هذه المشكلة مرة أخرى. وفي هذا السياق رغم أن البلاد لديها شريكين تجاريين رئيسيين لتأمين الطاقة فإنها تسعى لزيادة عدد هؤلاء الشركاء وبعد الولايات المتحدة والنرويج يبدو أن قازاخستان ستكون المورد الثالث الكبير للطاقة لألمانيا.[1]

إن زيارة السيد شولتس إلى آسيا الوسطى تأتي في سياق الأهداف طويلة المدى للدبلوماسية الألمانية. في هذه الزيارة يسعى شولتس لمتابعة عقد التعاون الاستراتيجي الذي تم توقيعه العام الماضي مع حكومات آسيا الوسطى. وفي إطار هذه الاتفاقية شهد مستوى التفاعل بين حكومات هذه المنطقة وألمانيا نمواً ملحوظاً مما سيؤدي إلى تحولهم إلى شركاء تجاريين مهمين. ويبدو أن ألمانيا ودول آسيا الوسطى تسعى لإزالة العقبات أمام هذا التعاون وتسريع تطويره بما يخدم مصالحها.[2]

هل تعمل ألمانيا بشكل مستقل؟
تتجه الحكومة الألمانية إلى نوع جديد من التعاون مع الدول بدلاً من التعاون مع دولة واحدة وتسعى إلى التعاون الإقليمي مع دول متعددة في آسيا الوسطى، تتولى ألمانيا ضمن اتفاقية تعاون طويلة الأجل تأمين احتياجاتها عبر دول مختلفة في المنطقة ويظل هذا الاتفاق اتفاقًا مع منطقة وليس مع دولة. في الواقع تطبق ألمانيا طريقة جديدة للتعاون مع الكتل الإقليمية مما يتيح لها تأمين مصالحها بشكل أفضل فعندما يتم إبرام اتفاق مع كتلة فإن احتمالية نجاحه بالنسبة لألمانيا تكون أكبر بالمقارنة مع الاتفاقات الثنائية حيث تسعى الدول الأعضاء إلى اتخاذ خطوات بالتعاون معًا لتحقيق مصالحهم.

ومن المرجح أن يؤدي هذا النهج الألماني إلى تجربة تعاون مختلفة مما يمكنها من تأمين مصالحها القصوى. لكن مدى فاعلية هذه الطريقة وما إذا كانت الدول الأخرى ستتعاون معها، هي مسائل ستظهر بوضوح في المستقبل.

بالاضافة لذلك يجب الإشارة إلى أن لألمانيا وقعت معاهدة استراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن أن يكون هذا النوع من التعاون مع الدول متوافقًا مع التنسيق الأمريكي. إن حضور المستشار الألماني في سمرقند ولقاءه مع رئيس جمهورية أوزبكستان وتوقيع عدة اتفاقيات تعاون، خاصة في مجال تأمين القوى العاملة الماهرة يدل على أن ألمانيا بينما تسعى لمصالحها تعمل أيضًا لخدمة مصالح الولايات المتحدة.[3] تعد سمرقند واحدة من المسارات الرئيسية لمبادرة الحزام والطريق الصينية لذا فإن وجود ألمانيا في هذه المنطقة لا يمكن اعتباره مجرد مسعى اقتصادي بل هو حضور يهدف إلى السيطرة على الصين وزيادة الضغط عليها. تسعى ألمانيا من خلال تقديم حوافز اقتصادية متنوعة لإخراج هذه الدول من هيمنة الصين وفي الوقت نفسه تسعى لزيادة التكاليف على الصين لتهديد مصالحها.

أيضًا تسعى ألمانيا من خلال تعزيز وجودها في الفناء الخلفي لروسيا إلى الضغط على روسيا أيضًا، وفي الحقيقة هذه الألعاب الاقتصادية وشراء الطاقة من قازاخستان من قبل ألمانيا ووقوعهما في الوقت نفسه مع مشروع "تابي" يوضح تمامًا أن الغرب قد عزم على مواجهة الشرق بشكل شامل. لذلك بينما تتخذ ألمانيا خطوات محسوبة لاستعادة قوتها تمضي قدمًا في مصلحة الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، بهدف تحقيق ما تريده من السيطرة على الشرق بأقل التكاليف الممكنة. في هذه الأثناء فإن التعاون والتفاعل بين الصين وشركائها الآخرين لمواجهة هذه الشطرنج المعقدة يعد أمرًا بالغ الأهمية حيث يجب عليهم اتخاذ خطوات محسوبة لتجنب وقوع كارثة مثل الحرب العالمية. سيتعين علينا أن نرى كيف ستكون إجراءات الصين وحلفائها الآخرين ردًا على هذه التحركات في المستقبل.

امین مهدوي


[1] euractiv.com
[2] rferl.org
[3] reuters.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال