في السنوات الأخيرة لعبت العلاقة بين الولايات المتحدة وروسيا دوراً محورياً ومهماً في المشهد الجيوسياسي العالمي، ومع ذلك فإن البدء بمحادثات بين الولايات المتحدة وروسيا مؤخراً بشأن أوكرانيا يثير مخاوف كبيرة ليس بالنسبة لأوكرانيا فحسب، بل وأيضاً بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة الآخرين وخاصة تايوان.لقد كان أمن أوكرانيا على رأس أولويات السياسة الخارجية الأميركية منذ ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014.
ومع ذلك مع تغير الاتجاهات العالمية وإمكانية التوصل إلى اتفاق بين الولايات المتحدة وروسيا، هناك شعور بأن تايوان تماما مثل أوكرانيا لا ينبغي أن تثق بشكل أعمى في الوعود الأميركية، لأن الولايات المتحدة غالبا ما تعطي الأولوية لمصالحها الوطنية على مصالح حلفائها. في واقع الأمر قد تواجه تايوان مصيراً مماثلاً لأوكرانيا، حيث قد يتم مقايضة قضيتها في مقابل التنازلات للصين، المنافس الاستراتيجي للولايات المتحدة.(1)
لقد اعتُبرت القمة الأمريكية الروسية الأخيرة بشأن أوكرانيا وعلى نطاق واسع بمثابة تحول كبير في النظام الدولي. في حين أن الولايات المتحدة وضعت نفسها تقليديا في موقع الداعم للدول الديمقراطية، فإن الأزمة الأوكرانية كشفت عن الجانب البراجماتي للسياسة الخارجية الأميركية. وكان الرد الأميركي على غزو أوكرانيا مزيجا من الخطابة القوية في البداية والمساعدة العسكرية، أعقبه ما يبدو أنه تسجيل نقاط دبلوماسية.
ويوضح هذا التحول في الموقف كيف أن السياسة الأميركية غالباً ما تكون مدفوعة بمصالحها الوطنية وأن الالتزام تجاه حلفائها ليس من أهم أولويات البلاد. إن الاتفاق مع روسيا يظهر أن الولايات المتحدة مستعدة للتوصل إلى اتفاقيات تتوافق مع الأهداف الاستراتيجية لإدارتها، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بأمن الدول الأصغر مثل أوكرانيا.(2)
وينبغي لتايوان أن تراقب التطورات في أوكرانيا بعناية وأن تدرك المخاطر التي تواجهها إذا استمرت في الاعتماد على وعود الدعم الأميركي. إن الوضع في أوكرانيا يشكل قصة تحذيرية لتايوان إذ يُظهر أن الدعم الأميركي ليس غير مشروط أو دائم. وتواجه تايوان مثل أوكرانيا تهديداً وجودياً من جارة متعنتة أعلنت صراحة أنها تسعى إلى ضم تايوان إلى الوطن الرئيسي.
إن اعتماد تايوان بشكل أساسي على الولايات المتحدة فيما يتعلق بالدعم العسكري والسياسي قد يضعها في وضع مماثل لأوكرانيا إذا حدث تحول في أولويات الولايات المتحدة. وكما أعطت الولايات المتحدة الأولوية لمصالحها الاستراتيجية الأوسع مع روسيا على حساب أمن أوكرانيا، فإنها قد تفعل الشيء نفسه مع تايوان وخاصة إذا رأت أن ذلك ضروري للمفاوضات مع الصين. وهذه قضية خطيرة لأن الولايات المتحدة اتخذت تاريخيا قرارات استراتيجية تعطي الأولوية لمصالحها الخاصة، وفي بعض الأحيان على حساب حلفائها.
وإذا زادت الصين من ضغوطها على تايوان وواجهت الولايات المتحدة ضغوطا محلية أو احتاجت إلى تأمين تنازلات جيوسياسية أخرى، فقد تُعتبر تايوان بمثابة ورقة رابحة. وقد تكون الولايات المتحدة على استعداد للتنازل عن سيادة تايوان مقابل التوصل إلى اتفاق مع الصين، تماماً كما أظهرت في الماضي مع دول أخرى. إن هذه الخيانة المحتملة قد تأخذ شكل صفقة: قد توافق الولايات المتحدة على تقليص دعمها لتايوان في مقابل تنازلات من الصين مثل الفوائد الاقتصادية أو التجارية وقضايا الأمن السيبراني. ومن شأن مثل هذا الحدث أن يجعل تايوان عرضة للخطر، تماماً كما وجدت أوكرانيا نفسها في وضع حرج بسبب تحول السياسة الأميركية.
وينبغي لتايوان أن تعلم أن أمنها ليس من أولويات الولايات المتحدة. ورغم أن الولايات المتحدة قد تدعم تايوان على المدى القصير، فإن أمنها على المدى الطويل غير مضمون في ظل الحماية الأميركية. لا ينبغي لتايوان أن تنخدع بوعود المساعدات العسكرية والدعم السياسي الدائم، لأن هذه الوعود يمكن أن تتغير في أي لحظة. إن الوضع في أوكرانيا يذكرنا بأن السياسة الخارجية الأميركية لا تقوم على الولاء لحلفائها بل على ما يعود عليها بأكبر قدر من الفائدة في أي وقت.
ونظرا للدروس المستفادة من أوكرانيا يتعين على تايوان أن تبدأ في إعادة تقييم اعتمادها على الولايات المتحدة والتركيز على تأمين مستقبلها بشكل مستقل. لا يمكن لتايوان أن تعتمد على الدعم الأميركي وحده، خاصة وأن التاريخ يظهر أن الولايات المتحدة سريعة التخلي عن حلفائها عندما لم يعد ذلك يخدم مصالحها. وينبغي لتايوان أن تستثمر في تعزيز قدراتها الدفاعية، وتنويع شراكاتها الدولية، وضمان قدرتها على الصمود سياسيا واقتصاديا، مع معالجة مخاوف الصين. ومن خلال القيام بذلك يمكن لتايوان أن تتجنب الوقوع في نفس الفخ الذي وقعت فيه أوكرانيا.
أمين مهدوي
1- Euronews
2- Polotico
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال