أمريكا تتستر تحت انتخاباتها إلى حين النضوج وتطلق يد الكيان
إنه لأمر بديهي إدراك الجميع بأن الحرب الحالية هي في جوهرها أمريكية، إذ أنه لو كانت الولايات المتحدة ترغب حقا بوقف الحرب على قطاع غزة أو أي منطقة فيها حرب تخوضها إسرائيل، لكانت قامت بهذا الأمر بسهولة.
إلا أن الولايات المتحدة منذ نشأتها تبنت المشروع الصهيوني، الذي أصبح ركيزة أساسية في السياسة الخارجية الأمريكية وهو ما لا يحتاج لأي إثبات أو دليل فما تقدمه أمريكا من دعم كبير للحرب على غزة، رغم معارضة الرأي العام العالمي القوية حتى داخل أمريكا نفسها، هو خير دليل.
و منذ بداية الحرب على غزة كانت المشاركة الأمريكية المباشرة واضحة و وصلت إلى أعلى المستويات السياسية والعسكرية. فقد شارك بايدن ووزيرا الخارجية والدفاع في عملية صنع القرار الإسرائيلي وتصميم وتنفيذ الحملة على غزة، كما أجرى كبار المسؤولين والضباط الأمريكيين مشاورات مهنية مع نظرائهم الإسرائيليين.
ففي 8 تشرين الأول أي بعد طوفان الأقصى بيون واحد، أعلن بايدن ووزير الدفاع عن إرسال مساعدات عسكرية خاصة فورية إلى إسرائيل، بدأت بمبلغ ملياري دولار، وسرعان ما وصلت إلى 14.3 مليار دولار، كما تم إنشاء جسر جوي وآخر بحري للتعجيل بإيصال المساعدات.
يعود الدور الأمريكي في حمل المشروع الصهيوني ودعمه إلى المشروع الأمريكي للهيمنة على العالم، ويرجع أيضا إلى الأهمية الاستراتيجية لفلسطين والشرق الأوسط في نجاح هذه الهيمنة.
فإسرائيل هي فعلا كما وصفها تشومسكي، قاعدة للقوة الأمريكية عبر البحار، وهي أقوى قاعدة وأكثرها موثوقية بالنسبة للولايات المتحدة، فإن توقّفت عن كونها كذلك، فسوف تتخلّى عنها الولايات المتحدة كغيرها. ولكن ما داموا يشكلون قاعدة أمامية للقوة الأمريكية، فيمكنهم ممارسة الغطرسة والهيمنة بكل وسائلها ومضامينها في سبيل مصالحهم، غير عابئين بحق الشعوب في العيش بكرامة بعيداً عن سياسات الحصار الاقتصادي والمالي، وممارسة الوصاية على المقدّرات.
حتى في المحافل الدولية تقف أمريكا دائما في وجه أي قرار يدين جرائم الاحتلال في قطاع غزة ورفضت خلالها أمريكا، على وجه التحديد، إبقاء العلاقات الأممية منصفة، على قاعدة التشارك في حفظ السلم والأمن الدوليين
ويتحدث العديد من المحللين عن وجود شكوك حول طبيعة وأهداف المبادرة التي تعتزم الولايات المتحدة طرحها لوقف القتال في لبنان واستئناف مفاوضات غزة، حيث حذر وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن من خطورة التصعيد في الشرق الأوسط، زاعماً أن واشنطن وحلفاءها يعملون دون كلل لتجنب اندلاع حرب شاملة بين إسرائيل وحزب الله.
وتأتي هذه المخاوف في ضوء التجربة الطويلة للجهود الأمريكية لوقف الحرب الإسرائيلية الإجرامية على قطاع غزة، والتي اتسمت بعدم الجدية على أقل تقدير، إن لم يكن تواطؤاً كاملاً وهو التوصيف الدقيق للحالة، وإلا فكيف يمكن تفسير تنازل الولايات المتحدة عن ما طرحه رئيسها جو بايدن بنفسه في مبادرته التي قبلت بها حركة حماس، فقط لأن هذه المقترحات قوبلت بالرفض الإسرائيلي. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل ذهب بالمسؤولين الأمريكيين إلى تحمل حركة حماس المسؤولية عن إفشال المبادرة؟
كما قال كتاب ومحللون سياسيون إن الولايات المتحدة تسعى لتحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على دعمها الاستراتيجي لإسرائيل، وبين تفادي اتساع رقعة الحرب الحالية إلى حرب إقليمية واسعة، فيما يُطرح سؤال حول مدى جدية المبادرات الدولية لوقف القتال، وسط تشكيك واسع في النوايا الأمريكية.
إن الحرب التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة لا يمكن فصلها عن الدور الأمريكي الداعم، حيث زودت الولايات المتحدة إسرائيل بالمال والسلاح، بما في ذلك القنابل والصواريخ والطائرات، بالإضافة إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن لصالح إسرائيل، ما يؤكد أن الولايات المتحدة شريك مباشر في الحرب على غزة.
حيث أن واشنطن تظهر في هذه المرحلة كداعم رئيسي لإسرائيل، حيث تزودها بالمعدات العسكرية، والغطاء السياسي والدبلوماسي في المؤسسات الدولية، ومع ذلك لا تنفك تتحدث عن جهود وقف إطلاق النار، ما دفع البعض يوجه أصابع الاتهام للولايات المتحدة بأنها تستغل عامل الوقت لمنح إسرائيل مزيدًا من الفرص لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
فالقدرات العسكرية الأمريكية في المنطقة تُسخّر لدعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، ما يجعل التحالف بينهما استراتيجيًا، كما أن كل الحروب التي تشنها قوات الاحتلال الاسرائيلي تحظى بدعم وتوافق كامل من قبل الجيش الأمريكي، ومن هنا، يُفهم أن الحرب التي تشنها القوات الاسرائيلية حالياً ليست سوى حرباً مدعومة سلفاً عسكرياً ولوجستياً وتقنياً واستخبارياً من قبل الولايات المتحدة.
خلاصة القول إن أي كلام عن عجز أمريكا عن كبح جماح إسرائيل" كلام كاذب لا يمت للحقيقة بصلة، حيث أن الولايات المتحدة هي التي تشجع إسرائيل، وتوجهها، وتحكم تصرفاتها.
إذ شهدت غزة حربًا دامت عامًا كاملًا كانت مليئة بالمفاوضات العبثية، التي اتخذت منها اسرائيل وسيلة للخداع وارتكاب المزيد من الجرائم، وهو ما أثبتته التجربة العملية.
العلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل تمتد إلى تحالف سياسي عميق، ولكن في الجانب العسكري، يعتبر الجيش الإسرائيلي جزءًا لا يتجزأ من جيش الولايات المتحدة، وكأنه كتيبة من الجيش الأمريكي.
ولا بد من الإشارة إلى أن المساعي الأمريكية لبحث وقف إطلاق النار في غزة و لبنان ترتبط أساسا في المرحلة الانتقالية التي تعيشها واشنطن إن صح التعبير أي مرحلة الانتخابات الرئاسثة ومعرفة الرئيس القادم وإن تسعى واشنطن للتهدئة فهي تهدئة تحت التصعيد وإلى حين الانتهاء من الانتخابات سنشهد لغة تصعيدية جديدة وإلى حينها أيضا سيبقى الوضع المتفجر في المنطقة على حاله وبعدها سنكون أمان خيارين لا ثالث لهما إما الحرب الشاملة والموسعة أو الجلوس على طاولة المفاوضات والتنازلات ومن الجميع.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال