لطالما كانت العقوبات هي الأداة الأكثر أهمية في السياسة الخارجية الأمريكية لسنوات عديدة. ووفقا لقاعدة بيانات جمعتها جامعة كولومبيا، تخضع دول مثل كوبا وكوريا الشمالية وروسيا وسورية وفنزويلا لعقوبات أمريكية شاملة، مما يعني أن معظم المعاملات التجارية والمالية مع الكيانات والأفراد في تلك البلدان محظورة بموجب القانون الأمريكي . وتخضع 17 دولة أخرى - بما في ذلك أفغانستان وبيلاروسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا والعراق ولبنان وليبيا ومالي ونيكاراغوا والسودان واليمن - لعقوبات مستهدفة تستهدف التعاملات المالية والتجارية مع الشركات والأفراد والمؤسسات، حيث تمنع معظم الحكومات كافة التعاملات مع الدول المعاقبة بموجب قانون الولايات المتحدة.
ووفقا لقاعدة بيانات جامعة برينستون، فإن سبع دول أخرى، بما في ذلك الصين وإريتريا وهايتي وسريلانكا، خضعت لضوابط تصدير محددة. ولا تتضمن هذه القائمة الطويلة حتى عقوبات مستهدفة على الأفراد والشركات في دول مثل السلفادور، أو جواتيمالا، أو باراجواي، أو عقوبات على مناطق مثل هونج كونج، أو البلقان، أو مناطق شبه جزيرة القرم، أو دونيتسك، أو لوهانسك في أوكرانيا.
وبحلول عام 2021، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على أكثر من 9000 فرد وشركة وقطاع من اقتصاد البلدان المستهدفة، وفقًا لوزارة الخزانة الأمريكية. وفي عام 2021، وهو العام الأول للرئيس الأمريكي جو بايدن في منصبه، أضافت إدارته 765 عقوبة جديدة في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك 173 تتعلق بحقوق الإنسان. في المجمل تمثل البلدان الخاضعة لمختلف العقوبات الأميركية مجتمعة ما يزيد قليلا عن خمس الناتج المحلي الإجمالي العالمي وتمثل الصين 80% من هذه المجموعة [1]
وبناء على ذلك، لا بد من القول إن سياسة الحصار كان لها تأثيرات مختلفة على الاقتصاد والعلاقات الدولية للولايات المتحدة، وخلقت تحديات لواشنطن على المستوى العالمي. ومن بين هذه الآثار والتحديات انخفاض الصادرات، والعقوبات المتبادلة من الدول الأخرى، وإضعاف العلاقات الدبلوماسية، وزيادة الضغوط السياسية بين الدول.
انخفاض الصادرات
ويعاني العديد من رجال الأعمال الأميركيين من أن آثار العقوبات الأميركية الأحادية الجانب، وحتى المحدودة للغاية، تسببت في مشاكل للاقتصاد الأميركي. تواجه الشركات الأمريكية مشاكل في التصدير، كما أن بعض البضائع يتم تصديرها متأخرًا، وقد تسببت هذه المشكلة في جعل الشركات الأمريكية معروفة كموردين غير موثوقين في التجارة العالمية. ولذلك ستفقد الشركات الأمريكية ميزتها التنافسية مع مرور الوقت، وسيحاول موردو السلع والتكنولوجيا قدر الإمكان الحصول على احتياجاتهم من الموردين الذين لا تعتمد إمداداتهم من السلع والخدمات على القرارات السياسية لبلدانهم.
التعامل بغير بالدولار
من التحديات التي ذكرتها وزارة المالية الأمريكية انخفاض استخدام الدولار في الدول الأخرى وانتشار العملات المشفرة.[2] ورغم أن العملة الأمريكية لا تزال على رأس العملات المتداولة في العالم، إلا أن ناقوس الخطر قد دق بالنسبة للدولار والمصداقية الاقتصادية والمالية للولايات المتحدة.
لقد كان الدولار الأمريكي العملة الاحتياطية في العالم منذ الحرب العالمية الثانية، ولعب دورًا مهمًا في النظام التجاري والمالي العالمي. لكن العقوبات الشاملة ضد روسيا، والتي عزلتها عن النظام المالي العالمي الذي يهيمن عليه الدولار الأمريكي، أثارت فزع الدول الأخرى لدرجة أنها أصبحت الآن تحشد عملات احتياطية لتجارتها. ومع ذلك وفقا لمسح إنفيسكو، تتفق البنوك المركزية عموما على أنه لا يوجد حاليا بديل واضح للدولار باعتباره العملة الاحتياطية المهيمنة في العالم. [3]
تزايد الرغبة في تشكيل تحالفات إقليمية
كانت سياسة الحظر الأميركية سبباً في لجوء دول مثل آسيا الوسطى والقوقاز أكثر فأكثر إلى روسيا بحثاً عن طرق تصدير بديلة، في حين حاول الأميركيون لسنوات إبعاد روسيا وتقديم أنفسهم عليها. كما سعت الدول العربية في منطقة الخليج العربي إلى إيجاد طرق بديلة لإيران بعد العقوبات، لكنها لم تتمكن حتى الآن من إيجاد طريقة بديلة ومناسبة لنقل النفط والغاز إلى الأسواق العالمية. ولذلك فإن سياسة العقوبات الأميركية زادت الرغبة في تشكيل تحالفات إقليمية جديدة.
وأخيرا، لا بد من القول إن العامل الرئيسي وراء التفوق الاقتصادي الأمريكي في العالم هو الدولار. وقد تم إنشاء هذه الميزة للولايات المتحدة للتأثير على اتجاهات التجارة العالمية والأنظمة المالية من خلال السياسات المحلية المتعلقة بالدولار. ومما لا شك فيه أن أفضل استراتيجية للتعامل مع هذه السياسة هي تشويه سمعة الدولار كعملة دولية، وهو ما يتحقق من خلال التفاعلات الاقتصادية باستخدام العملات الوطنية وعدم التدخل في المعاملات بين الدول المختلفة الخاضعة للحصار والدول الأخرى. كما أن إنشاء جمعية الدول الخاضعة للعقوبات كان أحد الحلول للتعامل مع العقوبات الأمريكية، وتعد إيران وروسيا والصين وفنزويلا وسورية وكوريا الشمالية من الدول التي يمكن أن تشكل نواة جمعية الدول الخاضعة للعقوبات وهذه القضية تناقش أيضاً في الاجتماعات واللقاءات ودائماً تطرح في المجالس التي تحضرها هذه الدول ورؤساؤها ولذلك يعترف الأميركيون أنفسهم أيضًا بأن سياسة الحظر والعقوبات كان لها عواقب سلبية على بلادهم، والتي كان وسيكون لها آثار سلبية طويلة المدى على الاقتصاد الأميركي.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال