أمريكا في مواجهة أمريكا! 391

أمريكا في مواجهة أمريكا!

تقترب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة من أيام حاسمة، وفي هذه الأثناء تتضح مواقف المرشحين لهذه الدورة، وهما السيدة كامالا هاريس والسيد دونالد ترامب بشكل أكبر. ساهمت هذه الاستراتيجية في سعيهم لجذب أصوات المواطنين والنخبة في المجتمع الأمريكي في توضيح مواقفهم في السياسة الداخلية والخارجية. ومن المحتمل أن تتغير هذه المواقف أيضاً في الأيام الأخيرة وفي النهاية سيصوت الشعب الأمريكي لشخص يستطيع جذب انتباههم أكثر من الآخرين.

أولاً أمريكا!
يبدو أن ما كان يسعى ترامب لتحقيقه في عام 2016، وفي ظل تعقيد الظروف الدولية الحالية أصبح الآن شعاراً واستراتيجية لكل من المرشحين الرئاسيين في أمريكا. في الواقع إن الجهود الرامية إلى شعار "أولاً أمريكا" وإعادة إحياء أمريكا والسياسات والمبادئ المماثلة تعكس حقيقة أن نظرة الولايات المتحدة تتجه أكثر نحو الداخل منها إلى الخارج، حيث تسعى بدورها إلى أن تكون فوائد أي اتفاق أو عقد محسوسة ومفيدة أولاً للأمريكيين.

يمكن أن تكون هذه الاستراتيجية التي ينتهجها القادة السياسيون في أمريكا بمثابة جرس إنذار جدي للعالم، حيث إن الولايات المتحدة تتغير في منهجها تجاه السياسات الكبرى. يمكن أن تؤدي هذه التغييرات إلى تقليل التعاون مع الحلفاء وتراجع التحالفات ومن المحتمل أننا سنشهد تشكيل عالم متعدد الأقطاب.[1]

هل ستصبح اليابان ضحية؟
على مدى فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية كانت العلاقات بين أمريكا واليابان عادةً ما تتمتع بالاستقرار والدوام حيث يعتبر كلا البلدين حلفاء استراتيجيين مهمين لبعضهما البعض. ويشار إلى اليابان أحياناً باسم "أمريكا آسيا"، مما يدل على القوة الاقتصادية والعلاقات الوثيقة التي تربطها بالولايات المتحدة. ومع ذلك فإن اليابان واجهت في عصر ترامب مشاكل في صادراتها وتعريفات منتجاتها الصناعية خاصة في مجال الصلب، حيث فرضت الولايات المتحدة تعريفات تصل إلى 25% على المنتجات اليابانية وقد اعتُبرت هذه الممارسة بمثابة جرس إنذار جدي بالنسبة لليابان التي تسعى لتحسين علاقاتها مع أمريكا وتحقيق مصالح الطرفين.

في هذا الإطار ومع وصول بايدن إلى الحكم تمكنت اليابان وأمريكا من التوصل إلى اتفاق جديد في صناعة الصلب والسيارات، حيث أصبحت بعض صادرات اليابان مشمولة بحصة من الواردات مع إعفائها من التعريفات بنسبة 25%، بالإضافة إلى أن ما يزيد عن ذلك كان مشمولاً بالتعريفات. وقد أدى هذا الاتفاق الذي لا يزال ساريًا، إلى رضا الطرفين وساهم في تحسين العلاقات بين البلدين وتعزيزها. كان هذا التطور ضمن إطار جهود حكومة بايدن لإحياء العلاقات مع الحلفاء.[2]

لكن يبدو الآن أن الديمقراطيين يسعون أيضاً لتغيير في عقودهم التجارية. فقد أعربت السيدة هاريس في إحدى آخر تجمعاتها الانتخابية عن موقفها من التعريفات والواردات من الصلب الياباني، مشيرة إلى أنه يجب أن تأخذ مثل هذه العقود أولاً في الاعتبار مصالح الولايات المتحدة، وأضافت أنه يتعين تعديل اتفاق الصلب مع اليابان. إن هذا التحول في النظرة تجاه أهم حليف آسيوي للولايات المتحدة يمكن أن يمثل جرس إنذار كبيرًا لبقية حلفاء أمريكا كما قد يكون بداية لحرب تجارية بين الولايات المتحدة واليابان. على الرغم من أن مديري صناعة الصلب في أمريكا انتقدوا مواقف هاريس وأكدوا أن الاتفاق التجاري مع اليابان هو اتفاق ذو فوائد متبادلة لأمريكا، وينبغي على الحكومة الأمريكية الجديدة الاستمرار به إلا أنه يبدو أن تغييرات كبيرة قد تكون في الطريق.

هل ستحدث حرب تجارية؟
ذات يوم وصلت أميركا واليابان إلى حافة حرب تجارية في أواخر الثمانينيات، والتي تم تجنبها إلى حد كبير عن طريق الحوار والدبلوماسية، ومنعت الاتفاقيات التجارية وقوعها.[3] وحتى الآن يبدو أنه إذا تمكن البلدان من التوصل إلى اتفاق شامل، فإن احتمال نشوب حرب تجارية سيكون منخفضا. ولكن إذا كان النهج الأمريكي يتمثل في الضغط على الحلفاء لتعزيز الاقتصاد الأمريكي، وفشلت الاتفاقيات التجارية في إقناع الأطراف، فإن الحرب التجارية أصبحت أكثر احتمالا من أي وقت مضىى . حيث سيفرض كلا البلدين تعريفات جمركية باهظة على منتجات وصناعات بعضهما البعض، ويبدو أن الدولة ذات القوة الاقتصادية والمستوى التكنولوجي الأقل ستخسر في هذه المنافسة، على الرغم من أن الحروب التجارية عادة لا يكون لها فائز حقيقي ومصداقية الحكومة في هيكل النظام الدولي معطوب. لذلك يبدو أنه على الرغم من الخطاب السياسي، فإن احتمال نشوب حرب تجارية غير وارد بعض الشيء في الوقت الحالي، لأن أمريكا تسعى إلى احتواء الصين في المقام الأول، والمنافسة مع الحلفاء هي الأولوية التالية.

امین مهدوي


[1] brookings.edu
[2] japan-forward.com
[3] thediplomat.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال