طُعنت الحريّة في العالم حين طعن سلمان رشدي في آب الماضي غرب نيويورك، واهتزّ تمثال الحرّية الأميركي غضباً لوفاة الفتاة الإيرانيّة مهسا أميني في أيلول المنصرم، وثارت ثائرة المنظمات الدّولية و(حقوق الإنسان) للمطالبة بإسقاط النّظام بل والتّحريض رسميّاً والدعوة للتمرّد على الدّولة وفي مقدّمتها منظمة الأمم المتحدة التي أعربت عن قلقها على لسان المتحدّث الرّسمي باسمها ستيفان دوجاريك الذي أدان التعرّض (للمظاهرات السلميّة) في إيران التي قوبلت باستخدام (مفرط للقوّة) ممّا أدّى إلى العديد من الوفيات والإصابات.
وعلى المسار نفسه أصدرت منظمة هيومن رايتس ووتش الحقوقيّة بياناً أدانت فيه (الحملة الأمنيّة) التي نفّذتها السلطات الإيرانيّة، على المحتجّين في قضية أميني، أمّا ألمانيا فقد استدعت السّفير الإيراني في برلين احتجاجاً على عمليّات القمع مطالبة بوضع حدّ لأعمال العنف والسّماح بتنظيم «تظاهرات سلميّة» في طهران، أمّا كندا التي كان لها الموقف البارز في القضية فقد أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو أنّ بلاده ستفرض عقوبات على المسؤولين عن وفاة مهسا أميني، مشيراً إلى أنّ العقوبات ستشمل عشرات الأفراد والكيانات، ومن بينها ما تسمّى شرطة الأخلاق. وكذلك بالنّسبة للنرويج التي استُدعي سفيرها في طهران للاحتجاج على تدخلات رئيس البرلمان النّرويجي في الشؤون الدّاخلية الإيرانية.
كلّ تلك المواقف ظهرت على التوالي مترافقة مع حملةٍ إعلاميّةٍ كبيرةٍ سخّرت لها كلّ وسائل الإعلام العالميّة وبالتحديد الأميركيّة وبعض أبواقها الخليجيّة من أبواقٍ سعوديّةٍ وإماراتيّةٍ وبحرينيّةٍ وإعلام مرتزقة ووسائل تواصل وجيش من الذّباب الالكتروني مارس دور التّحريض والتجييش على الجمهورية الإسلاميّة الإيرانيّة ليس حبّاً بمهسا أميني ولا دفاعاً عن حقوق الإنسان الذي يفتقد دعاته وفي مقدّمتهم الولايات المتحدة الأميركيّة بمؤسّساتها ومنظماتها وحركاتها (الحقوقي) لأبسط حقوق الإنسان التي افتقدتها واشنطن حين تظاهر عشرات الآلاف من الأميركيين في حركتهم الاحتجاجيّة قرب البيت الأبيض احتجاجاً واستنكاراً لمقتل جورج فلويد خلال توقيفه على يد عناصر الشّرطة واحتجاجاً على اللّامساوة والعنصريّة التي لا تزال تشهدها الولايات المتحدة التي ترفع راية الحرّيات في العالم.
أمّا في السّعودية فحدّث عن الحرّية بلا حرج واكتب ما شئت عن مشاهد الديموقراطيّة المتعدّدة التي تتجلّى بعدم وجود إحصائيّاتٍ رسميّةٍ تحدّد عدد معتقلي الرأي في السّعودية الذين تجاوزوا الآلاف داخل غياهب سجون النّظام السّعودي دون أن نغفل الأحكام التعسفيّة بحقّهم وحقّ النساء والقاصرين الذين نفّذت ببعضهم أحكام الإعدام رمياً بالرّصاص أو بقطع الرأس لا سيّما في شرقي المملكة حيث شهدت عدّة عمليات تنفيذ لأحكام الإعدام لأعدادٍ كبيرةٍ من أبناء المنطقة وعلى رأسهم الشيخ نمر النمر، إضافة إلى الأحكام التعسفيّة بحقّ النّساء التي لم ولن يكون آخرها الحكم على النّاشطة الشّابة سلمى الشهاب، وهي أمّ لطفلين، في البداية بالسّجن ثلاث سنوات بتهمة «جريمة» استخدام موقع إنترنت «لإثارة الاضطرابات العامة وزعزعة الأمن المدني والوطني! لكن محكمة الاستئناف أصدرت حكماً جديداً يوم الإثنين بالسّجن لمدة 34 عاماً تليها حظر سفر لمدة 34 عاماً، بعد أن طلب المدّعي العام من المحكمة النّظر في جرائمَ مزعومةٍ أخرى. إضافة إلى الحكم على نورة بنت سعيد القحطاني التي حكم عليها بالسجن 45 سنة بتهمة السعي لزعزعة النّسيج الاجتماعي واللّحمة الوطنيّة والإخلال بتماسك المجتمع ونظامه العام عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
نفس القواعد (الديموقراطية) التي تحكم في السّعودية تظهر في البحرين من خلال عدد معتقلي الرأي الذي فاق 3000 معتقل وعدد الشّهداء الذي بلغ مئتي شهيدٍ تقريباً بينهم 18 طفلاً توزّعت عمليات تصفيتهم ما بين القتل بالرّصاص الانشطاري في المظاهرات المطلبية أو بتنفيذ حكم الإعدام بهم أو خلال التحقيق معهم إضافة إلى مقتل 29 جنيناً في بطون أمهاتهم خلال عمليات التّحقيق نتيجة تعرّضهم للتعذيب الجسديّ والبعض منهم قتل نتيجة مضاعفات منع العلاج في السّجن. أمّا في فرنسا التي أصبح لها باعٌ طويلٌ في قمع المظاهرات فلا يمكن للأمم العوراء المتحدة أن ترى قمع قوّات الأمن للمظاهرات الشّعبية المطلبيّة التي تقمع في باريس ولا يمكن أن ترى ما جرى سابقاً في واشنطن من قمع للمسيرات ضدّ العنصرية إلّا بعين تطبيق القانون بينما ترى ذلك في فلسطين التصدّي للاحتلال إرهاب والتّخريب في إيران تعبير عن الحرّية وتدمير سورية واليمن وبغداد إحقاق للديموقراطيّة.
تلك هي ديموقراطيّة الأمم العوراء المفقوءة العين الفاقدة للإنسانيّة والتي صلبت العدالة وحاكمتها على مذبح الإنسانيّة واستحقت أن تسمّى أمم الإرهاب المتحدة…
المصدر: البناء
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال