أطلقت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، في 30 كانون الأول/ديسمبر 2020، أول مناورة مشتركة بعنوان “الركن الشديد 1″، والتي حملت عددًا من الرسائل إلى الصديق والعدو على حدٍ سواء.
وجاءت هذه المناورة في وقت تصاعدت فيه اعتداءات الاحتلال ضد الفلسطينيين بحلول نهاية عام 2020 بشكل ملحوظ في جميع أنحاء الأراضي المحتلة، وخاصةً في قطاع غزة. وهكذا، بعث الفلسطينيون برسالة واضحة للاحتلال بأنهم مستعدون للدخول في أي مواجهة عسكرية.
رسائل أول مناورة مشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية
من رسائل هذه المناورة لكل أطراف المنطقة والعالم، أن التنسيق العسكري للمقاومة قد تقدم إلى درجة أن غرفة العمليات المشتركة للفصائل الفلسطينية تجري مناوراتها على شكل هذه الغرفة.
كان إطلاق مثل هذه المناورة، وهي الأولى من نوعها باستخدام صواريخ أرض – بحر وطائرات المقاومة بدون طيار، بمثابة بداية لمرحلة جديدة في القدرات العسكرية الفلسطينية، والتي ظهرت نتائجها بوضوح خلال “معركة سيف القدس” في مايو 2021.
حيث استهدفت كل الفصائل الفلسطينية مجتمعةً ودفاعاً عن القدس والمسجد الأقصى، مواقع الكيان الصهيوني بصواريخها ودمرت أسطورة “القبة الحديدية” للصهاينة.
أرضيات إجراء مناورة “الرکن الشديد 2”
بعد انتهاء الحرب التي استمرت 12 يومًا في غزة، والتي ألحقت هزائم عسكرية وأمنية واستخباراتية كبيرة بکيان الاحتلال، ظل الوضع في الأراضي المحتلة متوترًا. وبينما يعترف الصهاينة صراحةً بأنهم ليسوا مستعدين لأية حرب جديدة، فقد صعدوا من عدوانهم على الفلسطينيين في القدس المحتلة والضفة الغربية.
في المقابل، أكدت المقاومة الفلسطينية، على عكس کيان الاحتلال، أنها مستعدة لخوض حرب جديدة للدفاع عن جميع الفلسطينيين. والعمليات الاستشهادية الأخيرة في الضفة الغربية والقدس المحتلة، والتي استمرت في الأسابيع الأخيرة، هي سبب آخر للقلق الصهيوني من انفجار الأوضاع في فلسطين المحتلة.
وفي هذا الصدد، فقد كثف الصهاينة أعمالهم الجنونية وعدوانهم الغاشم على الفلسطينيين في مختلف المجالات. ومن بين العوامل التي تثير الغضب الفلسطيني، تعذيب وسوء معاملة الأسرى والسجناء الفلسطينيين في سجون الاحتلال، والاقتحام اليومي للمستوطنين الصهاينة لبيوت الفلسطينيين.
من ناحية أخرى، أدى دعم السلطة الفلسطينية لجرائم الکيان الصهيوني، والتجسس لهذا الکيان في الکشف عن العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، إلى زيادة تراجع موقع هذه المنظمة لدی الفلسطينيين. في الوقت نفسه، تزداد ثقة الجمهور الفلسطيني في المقاومة، والتي تصاعدت بشكل ملحوظ منذ الانتصار في معركة سيف القدس.
کذلك، أدى تطبيع العلاقات بين بعض الدول العربية والکيان الصهيوني والتنسيق الأمني مع الکيان، إلى يأس الفلسطينيين من أي دعم عربي للقضية والشعب الفلسطيني، واعتبار المقاومة هي الخيار الوحيد للدفاع عن حقوقهم. وبالإضافة إلى الشعب، توصلت مختلف المجموعات الفلسطينية إلى نفس النتيجة.
وبالتالي، بإلهام من نتائج معركة سيف القدس، واحتمال اندلاع مواجهة عسكرية جديدة مع المحتلين في عام 2022، تقوم الفصائل الفلسطينية بالتنسيق العسكري بشكل أكبر.
الأهداف والرسائل الرئيسية للمناورة المشتركة الثانية للفصائل الفلسطينية
في هذا السياق، أعلنت غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، مؤخرًا، عن إطلاقها تمرينًا جديدًا يسمى “الركن الشديد 2″، وهو التمرين المشترك الثاني لهذه الفصائل بعد “الركن الشديد 1″، والذي تم إجراؤه في كانون الأول 2020.
وجاء في بيان غرفة العمليات المشتركة لفصائل المقاومة الفلسطينية، إن هذه المناورة تهدف إلى زيادة الكفاءة والجاهزية القتالية لفصائل المقاومة، لمواجهة التحديات والتهديدات المختلفة.
وقال “محمد حمادة” المتحدث باسم حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية(حماس)، عن الأهداف والأنشطة المشتركة للمناورة: “تأتي هذه التدريبات في إطار جهد مشترك بين الفصائل الفلسطينية، وفي إطار إيصال هذه الرسالة الواضحة إلى الكيان الصهيوني المحتل، بأن الشعب الفلسطيني وقف دائماً في وجه العدو الصهيوني، وأن فلسطين غير قابلة للتجزئة. ونحن أيضًا على استعداد تام لجميع السيناريوهات”.
وحسب المتحدث باسم حماس، فإن الهدف الأساسي من الغرفة المشتركة ومناوراتها، هو تبادل الخبرات الفنية بين الفروع العسكرية للفصائل الفلسطينية، حيث تقدم كل مجموعة أحدث بياناتها وتجاربها في آخر ما توصلت إليه من نتائج من حيث التخطيط والتكنولوجيا.
کما أن تبادل الخبرات في مجالات عديدة من أهمها الهندسة والاتصالات والإنترنت، وتحقيق دقة عالية في التنسيق الميداني بين مختلف الفصائل الفلسطينية، وتكامل الجهود والإسراع في تنفيذ البرامج المتخصصة، من الأهداف الأخری لهذه المناورة، لتصل الفصائل الفلسطينية في نهاية المطاف إلى مستوى عالٍ من القوة والصمود في مواجهة العدو المحتل.
في غضون ذلك، يقول المحللون العسكريون الفلسطينيون إن المناورة هي اختبار لاستعداد الفصائل الفلسطينية لأي مواجهة عسكرية محتملة مع العدو المحتل.
إضافةً إلى ذلك، فإن إجراء مثل هذه المناورة يدحض كل مزاعم مسؤولي الکيان الصهيوني، بأن قدرات المقاومة الفلسطينية قد استهدفت في الحرب الأخيرة، ويظهر أن المقاومة ما زالت تطور القوة العسكرية، وتزيد من خبراتها في هذا المجال.
المقاومة؛ الخيار الوحيد أمام الفلسطينيين لمواجهة المحتلين
إضافةً إلى ذلك، فإن إجراء المناورة الثانية المشتركة بين الفصائل الفلسطينية، يؤكد أن جميع أبناء هذه الأرض قد توصلوا إلى اتفاق جماعي على صوابية خيار المقاومة، في استعادة حقوقهم حفاظًا على منجزاتهم السياسية والعسكرية.
وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم حماس محمد حمادة، إن المناورات العسكرية تضمنت محاكاة إطلاق صواريخ تجريبية ومهاجمة المباني والمواقع، والدفاع عن مواقع المقاومة العسكرية والتجمعات المدنية، حيث تم وضع الخطط الدفاعية. كما أن قضية الأسرى الفلسطينيين وإطلاق سراحهم، ليست منفصلةً عن العمل الميداني لفصائل المقاومة الفلسطينية.
وحسب مسؤول حماس، في هذا السياق، تقوم القوات الفلسطينية في هذه المناورة بمحاكاة حرب برية مع الکيان الصهيوني المحتل وأسر جنود إسرائيليين، لاستخدامهم في ملف تبادل الأسرى.
تتكون غرفة العمليات المشتركة من الفصائل الفلسطينية وفروعها العسكرية، أي حركة حماس – كتائب عز الدين القسام، حركة الجهاد الإسلامي – سرايا القدس، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين – كتائب الشهيد أبو علي مصطفى، حركة فتح – كتائب شهداء الأقصى(لواء الشهيد نضال العامودي، جيش العاصفة)، مجموعات الشهيد أيمن جودة، كتائب الشهيد عبد القادر الحسيني، لجان المقاومة الشعبية ـ كتائب ناصر صلاح الدين، الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين – كتائب المقاومة الوطنية الفلسطينية، الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين(القيادة العامة) – كتائب الشهيد جهاد جبرائيل، والحركة الليبرالية الفلسطينية – كتائب الأنصار وكتائب المجاهد.
أهمية المناورات الفلسطينية المشتركة
من النقاط المهمة في المناورات المشتركة للفصائل الفلسطينية، أن هذه الفصائل قد أولت في السابق اهتمامًا أقل لمسألة التدريبات العسكرية المشتركة، ومثل هذه المناورات قد اقتصرت على حركات كبرى مثل حماس والجهاد الإسلامي. لكن في المناورتين الأخيرتين، شاركت جميع الفصائل الفلسطينية بفروعها العسكرية.
ولأن الخلافات بين الفصائل الفلسطينية المختلفة كانت دائمًا أحد الأسباب الرئيسية لفشل بعض خططها، فقد حققت فصائل المقاومة الآن تماسكًا داخليًا ووحدةً تعد بأيام ناجحة في المستقبل.
من جهة أخرى، بما أن المناورة هي سمة من سمات الجيوش الرسمية في العالم، والتي تتم بأهداف محددة في مواقف مختلفة، فإن قيام الفصائل الفلسطينية بإجراء مثل هذه المناورات تحت الحصار الإسرائيلي، يحمل رسالةً إلى هذا الکيان وجميع أعداء المقاومة، بأن فلسطين تتحول إلى جيش قوي، وكما أثبتت نتائج معركة سيف القدس، فإن المرحلة التالية من المواجهة الفلسطينية الصهيونية، ستكون مليئةً بالصدمة والمفاجأة للکيان الإسرائيلي.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال