أوروبا الفائزة في حرب الطاقة مع روسيا؟ 177

أوروبا الفائزة في حرب الطاقة مع روسيا؟

منذ بداية الحرب في أوكرانيا قامت أوروبا تدريجياً بتقليص وارداتها من الغاز الروسي، واعتبرت ذلك خطوة مهمة لمعاقبة روسيا. في الواقع كانت أوروبا تسعى لزيادة الضغط على الاقتصاد الروسي لإعلامه بعواقب الصراع في أوكرانيا، لكن أوروبا تكبدت أيضاً أضراراً كبيرة من هذه العقوبات الواسعة.

نهاية المطاف بين روسيا وأوروبا؟
كانت الدول الأوروبية معتمدة بشكل كبير على الغاز الرخيص من روسيا، وكان لذلك قيمة كبيرة لاقتصاداتها. وعلى الرغم من العقوبات الواسعة المفروضة على روسيا، لا تزال أوروبا تستورد الغاز من هذا البلد، ولكنه بمستويات أقل بكثير، ولا تزال دول مثل سلوفاكيا والنمسا وهنغاريا تلبي بعض احتياجاتها من خلال روسيا. ويتم ذلك عبر الأراضي الأوكرانية. حيث وقعت أوكرانيا وروسيا في عام 2019 عقد تعاون يمتد لخمس سنوات يسمح لروسيا بتصدير الغاز من محطات النقل الأوكرانية. سينتهي هذا العقد هذا العام، ولا توجد رغبة أوكرانية في تجديده[1]. بالإضافة إلى ذلك بعد الانفجارات التي حدثت في خط نورد ستريم، لم تظهر أوروبا أيضاً رغبتها في الاعتماد على الغاز من روسيا. وبالتالي البديل المتاح لروسيا هو "ترك ستريم" الذي يمر عبر البحر الأسود، ليتمكن من الاستمرار في تصدير الغاز إلى أوروبا، لكن هذه الرغبة لم تعد موجودة كثيراً لدى الجانب الأوروبي أيضاً، حيث شرعوا في اتخاذ خطوات لتقليل الاعتماد على روسيا. لكن الدول في شرق أوروبا لا تزال بحاجة إلى الغاز الروسي الرخيص، وربما تستطيع إقناع أوكرانيا بتجديد عقد نقل الغاز. وإلا فمن المحتمل أن تكون المسارات المباشرة بين روسيا وأوروبا قد وصلت إلى نهايتها.

من الفائز؟
إن فهم أن الحرب بين روسيا وأوكرانيا ليست مجرد صراع عسكري هو أمر مهم يساعدنا في تحليل الأحداث التي وقعت خلال هذه الفترة. كانت روسيا أيضاً في حرب طاقة أكبر مع منافستها التقليدية الولايات المتحدة، حيث زادت الولايات المتحدة من استخراج الغاز المسال لديها ولكنها لم تكن تملك سوقاً لبيعه. لذلك تمكنت الولايات المتحدة من تحقيق عدة أهداف من خلال تشجيع أوروبا على فرض عقوبات على الطاقة الروسية. بلا شك بجانب إضعاف روسيا كان أحد أهداف الولايات المتحدة هو بيع الغاز المسال إلى أوروبا، وهو أمر يبدو أنه تحقق بنجاح. ولكن إلى جانب هذا الأمر تمكنت أوروبا أيضاً من مواجهة واحدة من أكبر شركات النفط والغاز في العالم، وهي غازبروم حيث حققت غازبروم في عام 2023 خسائر مالية ورؤية سلبية وهي المرة الأولى منذ 20 عاماً، مما يعد جرس إنذار خطير لهذه الشركة.[2].

كما أنه من خلال فرض عقوبات على روسيا، أصبحت الآن قادرة على الحصول على الطاقة من هذا البلد بأسعار أرخص، خاصة فيما يتعلق بالنفط. ولتتمكن روسيا من بيع نفطها والالتفاف على العقوبات، يجب عليها أن تقدم تخفيضات كبيرة في الأسعار، وهذا يمثل فرصة مناسبة للدول الأوروبية للوصول إلى النفط الروسي الرخيص.

في الواقع، تسعى أوروبا إلى زيادة تكاليف استيراد الغاز المسال من الولايات المتحدة، والذي يكون أكثر تكلفة بكثير مقارنة مع الغاز الروسي، وبما أن الأوروبيين دائماً ما يسعون لتقليل التكاليف، فإن الحصول على النفط الروسي بأسعار مخفضة يعد حدثاً ذا قيمة بالنسبة لهم.[3].

من جهة أخرى، تبحث روسيا عن أسواق جديدة للإيرادات وقد تمكنت من التكيف مع ظروف العقوبات. أصبحت روسيا الآن واحدة من أهم مزودي الطاقة للصين، كما تسعى للحصول على سوق الهند لتكون شريكها الطاقي الرئيسي. و إذا تمكنت روسيا من العثور على سوق بديل وتعزيز إنتاجها ومبيعاتها لتعود لما كانت عليه قبل الحرب مع أوكرانيا، فمن المؤكد أن تأثير العقوبات الأوروبية سيزول، وقد لا توفر روسيا النفط الرخيص لأوروبا مجددًا. هذا التطور يعني تقليل موردي الطاقة لأوروبا، ويجب على دول القارة الخضراء التفكير في مسألة اعتمادها الزائد على الغاز المستورد من الولايات المتحدة، حيث يمكن أن تشكل هذه المشكلة تحديًا لمستقبل الاتحاد الأوروبي. على الرغم من أن أوروبا تستورد الطاقة من دول أخرى مثل قطر إلا أن أمريكا تظل أهم وأكبر شريك لها.

لذا يبدو أن أوروبا في المدى القصير استطاعت أن تكون الرابحة في حرب الطاقة ضد روسيا، لكن في المدى الطويل قد يكون هذا الأمر بعيد المنال، حيث أن أوروبا تعلم جيداً أن اقتصادها لا يستطيع تحمل تكاليف الإنتاج والطاقة المرتفعة على المدى البعيد، وقد تتخلف عن المنافسة في الساحة العالمية. ويبقى السؤال حول ما إذا كانت استراتيجيات أوروبا ستتغير في المستقبل، أم ستستمر في اللعب في إطار الولايات المتحدة وربما الصين، مما قد يؤدي إلى إلحاق الهزيمة بنفسها.

امین مهدوي


[1] euronews.com
[2] reuters.com
[3] Aljazeera.com
لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال