يواجه الاتحاد الأوروبي انتخابات برلمانية مهمة في الأشهر الأخيرة. وتعرف هذه الانتخابات بأنها رمز للديمقراطية في هذا الاتحاد ولها أهمية خاصة بالنسبة لقادة الاتحاد الأوروبي. ولهذا السبب، يحاول أعضاء الاتحاد الأوروبي تذكير شعوبهم بمكانة البرلمان باعتباره ركيزة مهمة لهذا الاتحاد، حتى يتمكنوا من الحفاظ على مصداقية أوروبا من خلال المشاركة قدر الإمكان في هذه الانتخابات. لكن هذه ليست القصة كاملة، ويبدو أن الحكومات الأوروبية تقوم بنشاطات لتوجيه الرأي العام في التصويت لمنع وجود تيارات معينة مثل اليمين المتطرف.
الخوف من اليمين المتطرف!
وفي الوقت الحالي، يمتلك يمين الوسط بقيادة السيدة فاندرلاين أغلبية مقاعد البرلمان الأوروبي، واليمين المتطرف لديه أقل عدد من الأعضاء بـ 59 مقعدًا.[1] ومع ذلك، فإن تطورات السنوات الأخيرة، من وباء كورونا إلى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، كان لها تأثير عميق على موقف شعوب أوروبا والوضع الاجتماعي والاقتصادي للدول الأعضاء في الاتحاد. ولهذا السبب أصبح الاهتمام باليمين المتطرف في السنوات الأخيرة أكبر مما كان عليه في الماضي. وتشكل هذه القضية إنذاراً كبيراً وخطيراً لقادة الاتحاد الأوروبي، فقد حاولوا منع الناس من التوجه إلى اليمين المتطرف بمختلف البرامج والأعمال لكن يبدو أنهم لم ينجحوا.
ولهذا السبب، يبدو أن الحكومات الأوروبية التي لا يوجد فيها اليمين المتطرف في السلطة، تكثف إجراءاتها للتعامل مع التيارات اليمينية. إنهم يمنعون مختلف التجمعات والبرامج اليمينية تحت ذرائع مختلفة ويحاولون إظهار أفعالهم على أنها تهديد للأمن[2].
وفي السنوات الأخيرة، وعلى الرغم من أن الحركات اليمينية المتطرفة حققت نجاحا كبيرا في أوروبا، إلا أنها لا تزال أقلية في البرلمان الأوروبي، وهذا ما جعل دورها ضعيفاً في قرارات الاتحاد الأوروبي. وفي الواقع تزايدت نجاحات اليمين المتطرف بشكل مفاجئ منذ الجولة الأخيرة من الانتخابات البرلمانية عام 2019، ويأملون أن يصبحوا أحد الأطراف الرئيسية وصانعي القرار في الانتخابات المقبلة ومواصلة مسيرة النجاح هذه.
ويزداد الخوف من التيارات الراديكالية عندما أظهر الناس في الاتحاد الأوروبي، في استطلاعات الرأي، أن أولويتهم الرئيسية هي قضايا أخرى غير الدور العالمي للاتحاد الأوروبي، بل إنهم في الواقع يعتبرون الاتحاد الأوروبي لاعباً مهماً في العالم على الساحة العالمية، لكنهم لا يعتبرونها أحد أهدافهم الحيوية ويركزون أكثر على القضايا الداخلية والرفاهية والأمن الاجتماعي[3].
وهذا التغير في نظرة الشعب الأوروبي للقضايا يوفر فرصة جيدة للغاية لحركات اليمين المتطرف لاستغلال هموم الناس لتحديد أهدافهم وشعاراتهم الانتخابية وتحقيق النجاح.
وإذا تمكنت التيارات المتطرفة من أن تصبح لاعباً مهماً في البرلمان الأوروبي، فإن التحديات التي تواجه الاتحاد سوف تتزايد وتصبح هذه التحديات أكثر أهمية عندما تكون بعض الحكومات الأوروبية تحت سيطرة الحركات اليمينية المتطرفة. إن تعاون هذه الحكومات مع الكتل البرلمانية ومشاركتها في تشريعات الاتحاد الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى زيادة الفجوة بين دول الاتحاد الأوروبي.
وبالإضافة إلى ذلك، لا بد من الإشارة إلى موضوع الأمن وأهميته بالنسبة لأوروبا. إن الزيادة في الميزانيات العسكرية للحكومات إلى جانب الزيادة في الميزانية العسكرية للاتحاد الأوروبي، تظهر أن أوروبا تتطلع إلى استعادة قوتها العسكرية. هذه القضية مهمة جدًا حتى لشعوب أوروبا، وقد ذكروا أيضًا القوة العسكرية كقضية حيوية. ويمكن أن تكون هذه النقطة فرصة جيدة للتيار اليميني المتطرف للاستفادة من حرب أوكرانيا وآثارها من خلال التأكيد على أن النفقات العسكرية كانت نتيجة التصرفات الخاطئة للحكومات تجاه روسيا.
ومن الضروري أيضًا معالجة قضية الهجرة وأزمة المهاجرين، والتي وفقًا لنهج الحكومات الأوروبية في هذه القضية، فإن اليمين المتطرف لديه الفرصة ليصبح التيار الرئيسي بشعاراته ويكون قادرًا على الفوز بمزيد من المقاعد مثل في البلدان التي حققت فيها نجاحا في البرلمان.
ولذلك فإن الحكومات الأوروبية، رغم تأكيدها على الحرية والديمقراطية، تحاول منع نمو أنشطة التيارات اليمينية المتطرفة لأنها تعتبرها ضارة بمستقبل أوروبا وسياساتها. بل إن البعض يعتقد أن نمو اليمين المتطرف ووجوده الواسع في البرلمان الأوروبي يمكن أن يؤدي إلى تدمير الاتحاد الأوروبي وإعادة أوروبا إلى عصر الدولة القومية في القرنين التاسع عشر والعشرين، وهذا قد يكون ممتعاً بالنسبة لأوروبا لبعض الحكومات الكبرى في العالم. في الواقع إن هذا الأداء الذي قدمته حركات اليمين المتطرف المعارضة بدعم مباشر وغير مباشر من الحكومات الأوروبية، يظهر تخوف قادة الاتحاد الأوروبي من نمو اليمين المتطرف، الأمر الذي قد يقضي على كل جهودهم وسياساتهم في المنطقة خلال السنوات القادمة.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال