من أجل تأمين مصالحه الاقتصادية، يبحث الاتحاد الأوروبي عن دور أكثر نشاطا وفعالية في توفير الأمن البحري. ويعتزم الاتحاد في قراره الأخير إرسال مجموعة عسكرية بحرية إلى البحر الأحمر لحماية موارده ومصالحه في هذا الطريق البحري المهم.
البحر الأحمر، بحر الدم
بعد عملية طوفان الأقصى والاجتياح الإسرائيلي لغزة، أعلنت حركة أنصار الله اليمنية، دعماً للشعب الفلسطيني، أنها ستهاجم السفن المارة والمتجهة إلى الأراضي المحتلة. وفي هذا الخصوص فقد أدت هذه الحركة إلى زيادة كبيرة في التكاليف البحرية التي تتحملها إسرائيل في هذا المضيق. وفي أول عمل عدواني ضد اليمن، قامت الولايات المتحدة، إلى جانب المملكة المتحدة وعدة دول أخرى، بعمل عسكري لضمان أمن هذا الممر المائي لإسرائيل مرة أخرى، لكن هذه الإجراءات لم تكن كافية، و تتطلع الولايات المتحدة إلى زيادة نطاق هجماتها، إن هذه القضية يمكن أن تصبح السبب الرئيس وأداة لنشر التوتر في المنطقة وتحويل البحر الأحمر إلى بحر من الدماء، كما قال أردوغان [1].
المواقف الأوروبية
منذ بداية الصراع بين حماس وإسرائيل، واجهت الصادرات البحرية الأوروبية عبر البحر الأحمر معضلة كبيرة فمن ناحية ارتفعت التكاليف ومخاطر إرسال البضائع، ومن ناحية أخرى أصبحت الطرق البديلة أطول وغير اقتصادية. وكان لهذه القضية تأثير كبير على اقتصاد دول مثل هولندا وألمانيا، وتبحث حكوماتها عن حل لهذه المشكلة. وفي هذا الصدد، ومع تفهمها لأوضاع المنطقة، فإن دول الاتحاد الأوروبي لا تسعى إلى زيادة التوتر ولديها خطة لضمان الأمن البحري للسفن الأوروبية في البحر الأحمر. وتسعى هذه الخطة، التي ينبغي مناقشتها بجدية أكبر بين القادة الأوروبيين، إلى إرسال ثلاث سفن حربية من دول أوروبية إلى المنطقة، مهمتها ضمان أمن مرور السفن الأوروبية.
وفي الوقت نفسه طلبت الولايات المتحدة من أوروبا أن تكون هذه المهمة متوافقة مع المهمة الأمريكية، وهو الأمر الذي عارضته معظم الدول الأوروبية وذكرت أن هذه المهمة ستكون مستقلة [2]. ومع ذلك، يبدو من المرجح أن يقوم الاتحاد الأوروبي في نهاية المطاف بتنسيق هذا البرنامج مع الإجراءات الأمريكية عند الحاجة.
وفي غضون ذلك، فإن موقف إسبانيا كمركز للعمليات البحرية للاتحاد الأوروبي يتعارض تمامًا مع التعاون مع الولايات المتحدة. وأكد رئيس وزراء إسبانيا أن بلاده ستستخدم حق النقض (الفيتو) ضد اقتراح للتعاون مع الولايات المتحدة. وتعتقد إسبانيا أن التعاون مع الولايات المتحدة في هذا المجال يؤدي إلى زيادة التوترات في المنطقة ويبعد أوروبا عن برنامجها الرئيسي. وإثر هذه المواقف، أكدت دولتا فرنسا وألمانيا أيضًا على رغبتهما في التعاون مع المجموعة الأوروبية ودعمها[3].
ويبدو أن الخلافات في الرأي بين دول الاتحاد الأوروبي حول كيفية التعامل مع التحديات في البحر الأحمر تتزايد، وهذا يعني أن أوروبا لا تستطيع اتخاذ موقف واضح في هذا الخصوص.
وبالإضافة إلى عدم وجود موقف واضح في أوروبا، فإن هذا النقص في التنسيق يؤدي إلى تحدي آخر بالنسبة لهم، وهو توفير القوات والمعدات لبرنامج الدوريات البحرية هذا. ومن أجل توفير القوات المطلوبة، يتعين على أوروبا أن تكون قادرة على الحصول على موافقة كافة أعضائها حتى تتمكن من التواجد الفعال في المنطقة. وبخلاف ذلك، فإنهم يواجهون مشكلة توفير الطاقة والمعدات والأدوات اللازمة لهذه المهمة.
كما يجب على الاتحاد الأوروبي أن يسعى إلى لعب دور في الحل النهائي لهذه الأزمة، وهو ضبط إسرائيل والسيطرة عليها. وأوروبا تعلم جيداً أن مسألة الأمن في البحر الأحمر ترتبط ارتباطاً مباشراً بالحرب في غزة. ويجب أن تحاول هذه الكتلة أن تلعب دوراً في حل هذه المشكلة من خلال الاستثمار بشكل أكبر في الدبلوماسية وزيادة الضغط على أطراف الصراع، وخاصة إسرائيل. لأن أوروبا تعلم جيداً أن النهج العسكري والضغوط المتزايدة مثل هذه لا تشكل حلاً فحسب، بل يمكن أن تؤدي أيضاً إلى تفجير مستودع البارود في المنطقة. في الواقع، يجب على أوروبا أن تبحث عن حل جيد لهذا الصراع، وتأخرها في اختيار الإستراتيجية سيؤدي إلى الاختيار بين السيئ والأسوأ، لأن الوقت هذه الأيام أهم بكثير مما يريده الجانب الأوروبي في استراتيجية وتوحيد الرأي للوصول إلى حل بدلاً من إضاعة الوقت.
لذلك، إذا نظرت أوروبا إلى الوضع بعدسة المنطق والإنسانية، فيمكنها اتخاذ إجراءات دبلوماسية بناءة بما يتماشى مع مصالحها الجماعية ودول المنطقة، أو اختيار نهج آخر تحت تأثير الضغط الإسرائيلي، وهو بالطبع أمر غير مقبول لكنه قد يبدو الأكثر احتماليةً.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال