لم يكن أيار من العام 2000 موعدًا لتتويج عطاء الدم على مدى عقدين ونيف من الزمن فحسب، بل فاتحة لعهد جديد من معركة الدفاع والحماية وتحرير الأسرى. تحرير الأرض لا زال مفتوحًا، طالما هناك احتلال في مزارع شبعا وتلال كفر شوبا، والجزء اللبناني من قرية الغجر، ونقطة تحفّظ في رأس الناقورة.لكن المهمة الواضحة الجلية عشية التحرير، هي تعزيز القدرات لحماية لبنان من العدوان الاسرائيلي الذي لم ينتف مع الاندحار عن أرض جنوب لبنان تحت ضربات المقاومة. "إسرائيل" نفسها، ذات الطبيعة العدوانية، لم تعلن انتهاء معركتها، وهي التي راحت تعد العدة لتتحين أي فرصة ضعف في الجبهة المقابلة لتنقض على لبنان من جديد.
بعد التحرير، كان الاستحقاق الأول لدى المقاومة هو تحرير الأسرى الذين لا زالوا في سجون العدو، وهو ما حصل فعلًا بعد أشهر قليلة جدًا من خلال عملية في مزارع شبعا.
أصل بقاء الأسرى في سجون العدو هو عدوان.
لاحقًا، ومع تصاعد أصوات في لبنان تتحدث عن عدم جدوى بقاء المقاومة وسلاحها، مع العلم أن أرضًا لا زالت محتلة، كانت "إسرائيل" ومعها الغرب يعدان لقرارات دولية تمس المقاومة منها الـ 1559، الذي فهم على أنه جزء من العدوان على مقاومة لبنان باعتباره كان يصوب نحوها نزولًا عند رغبة إسرائيلية. العدو، وبعد فشله مع الغرب في نزع سلاح حزب الله الذي يشكل حجر عثرة أمام مخططاته راح يعمل في اتجاهين، الإعداد لعدوان، والعمل بسند غربي وعربي للأسف لفتنة داخلية، وهو ما حصل باغتيال الشهيد رفيق الحريري، حيث أريد اتهام سوريا وحزب الله من أجل فتنة داخلية تغرق المقاومة.
أحبط الأمر بشكل كبير، وعام 2006، بعد علمية أسر ثانية دخلت "إسرائيل" حربًا معدّة سلفًا، في عدوان هو الأكبر على لبنان وكان الهدف سحق المقاومة وتهجير الجنوبيين وإعادة احتلال الجنوب. من جديد، دافعت المقاومة بقوة كبيرة، وبعد 33 يومًا من مراكمة العدو لفشله في تحقيق الأهداف، ذهب نحو وقف الأعمال الحربية بعد استجدائه الأمريكيين إخراج قرار دولي في هذا الصدد. توقفت الأعمال الحربية، لكن العدوان بقي، و"إسرائيل" تناور وتتوعد وتحاكي الحرب على لبنان.
على مدى الأعوام التي تلت انتصار تموز، عملت المقاومة على تعزيز قدراتها كمًّا ونوعًا، بل ورسمت معادلة جديدة تمنع العدوان الإسرائيلي ليستقر الجنوب ومعه لبنان إلى الحد الذي نعيشه. أما الاختبار الأكبر في الحماية التي تمارسها المقاومة، فكان في التفاوض غير المباشر حول تحديد المنطقة البحرية، صيف 2022، حيث أبرزت المقاومة أوراق قوة، دفعت العدو بعد تعنت لعقد من الزمن، إلى الرضوخ لما طلبه المفاوض اللبناني، وهو ما كان ليحصل لو لم يكن في لبنان ورقة قوة أو قوة اسمها المقاومة. تتبنى المقاومة نظرية هامة في الدفاع، وهي أنه طالما هناك شيء اسمه "إسرائيل" طالما العدوان قائم، وبالتالي هي تعد لمواجهة فاصلة، قد تفرض على لبنان والمنطقة في أي وقت نتيجة العدوانية الإسرائيلية.
في المحصلة، إن أصل وجود المقاومة سببه الاحتلال والعدوان، وبالتالي إن بقاء المقاومة منوط بانتفاء الأسباب التي ما زالت قائمة. وكما يسجل للمقاومة، تحديدًا حزب الله، دوره الكبير إلى جانب القوى الوطنية والإسلامية في معركة التحرير، يسجل له حمل مسؤولية الدفاع عن لبنان، الذي يتعرض للعدوان الإسرائيلي والحصار والتحكم الأميركيين ويمنع على جيشه التسلح.
إن المقاومة حاجة وطنية وهي اليوم ضرورة لمنع العدو من العودة والوقوف سدًا منيعًا في مواجهة مخططاته. نختم بالقول: طالما هناك عدوان هناك مقاومة، والمقاومة باقية ومعها نستشعر الأمن الذي ننشد.
المصدر: العهد
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال