إحياء الذكرى الثمانون للعلاقات الدبلوماسية بين سورية وروسيا وتوسيع آفاق التعاون
تحتفل سورية وروسيا هذا العام بالذكرى الثمانين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما، وهي مناسبة تحمل دلالات سياسية واقتصادية وثقافية مهمة. فمنذ عام 1944، استطاعت الدولتان بناء علاقة متينة ترسخت عبر السنوات الماضية، وتجلى ذلك في العديد من المجالات، من الدعم السياسي إلى التعاون الاقتصادي والعسكري. في هذا المقال، سنستعرض تاريخ العلاقات بين سورية وروسيا، وأهم الإنجازات التي تحققت، والتحديات المستقبلية التي تواجه هذا التعاون.
تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين البلدين
في حفل إحياء الذكرى الثمانون لتأسيس العالاقات الدبلوماسية بين البلدين أشار السفير الروسي في بدمشق السيد ألكسندر يفيموف ارتقاء التعاون الروسي-السوري إلى مستوى جديد من الشراكة الإستراتيجية الشاملة، وكما ذكر في معرض حديثه أن العلاقات الدبلوماسية بين البلدين بدأت في 21 يوليو 1944. وبعد عامين، أي في عام 1946، كان الاتحاد السوفيتي من أوائل الدول التي اعترفت باستقلال سورية [1].
تطورت العلاقات السورية – الروسية خلال فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، عندما اتخذت سورية خطوات نحو الاستقلال عن الاستعمار الفرنسي. آنذاك، وجدت سورية في الاتحاد السوفيتي شريكًا استراتيجيًا يساند تطلعاتها الشعبية والسياسية. وقد ساهم الدعم الذي قدمه الاتحاد السوفيتي كثيراً في تعزيز قدرات دمشق على مواجهة التحديات الداخلية والخارجية.
مع مرور السنوات، تطورت العلاقات بين البلدين لتشمل مجالات متعددة، حيث قدمت روسيا الدعم العسكري لسورية خلال الأزمات والحروب، بدءًا من الصراع العربي الإسرائيلي وصولاً إلى الحرب السورية مع بداية 2011. وقد كان لهذا الدعم تأثير كبير على مجريات الأحداث في سورية، وترك بصمة واضحة على الساحة الإقليمية والدولية وعزز مواقف دمشق الدولية في التغلب على الهيمنة الأمريكية في المنطقة.
التعاون العسكري والأمني
يعتبر التعاون العسكري والأمني أحد أهم وأبرز جوانب العلاقة السورية – الروسية. فمنذ بداية الصراع في سورية في 2011، ساهمت روسيا بشكل مباشر في الدعم الأمني والعسكري وخلال العمليات العسكرية ضد الجماعات المسلحة بعد تطور مجريات الأحداث، والتي أصبحت تمثل تهديدًا للحكومة ولوحدة الأراضي السورية. وقد أدت هذه العلاقة القوية والدعم المستمر إلى استعادة الحكومة السورية السيطرة على مناطق واسعة كانت تحت سيطرة الجماعات المسلحة الإرهابية، ويعتبر ذلك إنجازًا كبيرًا لروسيا التي ظهرت كلاعب رئيسي في منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما أكده السفير الروسي بدمشق خلال الإحتفال حيث قال: " يُعتبر 30 سبتمبر 2015 من التواريخ المهمة في العلاقات الروسية السورية الحديثة. ففي ذلك الوقت، واستجابة لطلب الرئيس السوري بشار الأسد، قررت القيادة الروسية تقديم المساعدة لسورية في مكافحة الإرهاب الدولي. وبفضل التنسيق العسكري المتناغم، نجحنا في كسر شوكة هذا الشر والحفاظ على الدولة السورية نفسها. ومع ذلك، لم تنتهِ هذه المهمة بعد. حيث لا تزال هناك مناطق "رمادية" خارج سيطرة السلطات، وما زال المجرمون يتواجدون بحرية. لذا ولإنجاز استعادة السيادة الكاملة للحكومة السورية على كامل أراضي البلاد، هناك الكثير يجب القيام به". [2]
في ذات السياق تمخض عن هذا التعاون أيضًا بتبادل المعلومات الاستخباراتية، وتدريب القوات السورية، مما ساعد على بناء جيش أكثر كفاءة وقوة. علاوة على ذلك أتاح الوجود الروسي في سورية لروسيا توسيع نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبحت قاعدة حميميم الجوية بوابة التوسع العسكري الروسي في المنطقة.
التعاون الاقتصادي
لا يقتصر التعاون بين سورية وروسيا على الجانب العسكري فقط، بل يمتد أيضًا إلى المجال الاقتصادي. منذ بداية الأزمة قدمت روسيا مساعدات اقتصادية لسورية شملت بعض المشاريع الحيوية في مجالات البنية التحتية والطاقة. من المتوقع أن يتوسع هذا التعاون ليشمل مجالات جديدة، مثل الزراعة والتكنولوجيا، خاصة مع التوجه نحو إعادة إعمار سورية بعد انتهاء النزاع، حيث تمتلك روسيا موارد كبيرة تستطيع من خلالها دعم الاقتصاد السوري، بما في ذلك النفط والغاز والمعادن. كما أبدت العديد من الشركات الروسية اهتمامًا بالاستثمار في سورية، مما يبشر بتحقيق شراكات اقتصادية متينة تساهم في إعادة بناء الاقتصاد السوري المتضرر. وفي هذا السياق، أشار السفير الروسي إلى توقيع روسيا وسورية في تشرين الأول عام 2023 اتفاق توسيع التعاون التجاري والاقتصادي بينهما، والذي يسهم بإقامة عشرات المشاريع الاقتصادية الروسية على الأراضي السورية بالتعاون مع الشركاء السوريين.[3]
التعاون الثقافي والتعليمي
لا يمكن إغفال الجانب الثقافي من العلاقات السورية – الروسية. فقد شهدت العقود الماضية تزايد التبادل الثقافي بين البلدين، بما في ذلك المنح الدراسية للطلاب السوريين في الجامعات الروسية، وعقد الفعاليات الثقافية والفنية. حيث تسهم هذه الأنشطة في تعزيز فهم كل دولة للثقافة والتاريخ الحضاري لكل منهما، مما يساهم في تعزيز العلاقات الثنائية على المستوى الشعبي وخاصة أن البلدين قدما تضحيات جسيمة في محاربة الإرهاب على أراضي سورية وقدمت روسيا تضحيات بشرية من خيرة ضباطها ومستشاريها العسكريين المشاركين إلى جانب الجيش السوري، الجدير بالذكر أن هذه الروابط الثقافية لا تساهم فقط في تعزيز الود بين الشعبين، بل تفتح أيضًا آفاق التعاون المستقبلي في مجالات أخرى، مثل الإعلام والفنون والرياضة.
العلاقة المستقبلية
العلاقات القوية بين سورية وروسيا، تعتبر نموذجاً للعلاقات بين الدول فقد مرت بمراحل عديدة وكانت دائماً في طور الإرتقاء حتى وصلت إلى علاقة استراتيجية على مستوى كافة المجالات بين البلدين ضمن البيئة التي هيئها الرئيسان طول الفترة الماضية رغم كل الظروف والتقلبات الدولية والإقليمية التي شهدتها المنطقة والعالم بأكمله، ربما تكون هناك بعض التحديات التي تواجه هذه العلاقة و أهمها الوضع الاقتصادي في سورية لإنه يحتاج إلى إعادة هيكلة شاملة تشمل تنويع مصادر الدخل والبحث عن شراكات جديدة، وهو ما يتطلب مزيدًا من الجهد من الجانب السوري والروسي لتلبية تطلعات المستثمرين الروس والسورين.
ختامًا
يمكننا القول بثقة إن التعاون الروسي - السوري ارتقى اليوم إلى مستوى جديد من الشراكة الاستراتيجية الشاملة، حيث تتبنى روسيا والجمهورية العربية السورية مواقف متطابقة أو متقاربة حيال معظم القضايا الدولية والإقليمية. ويتم التنسيق بشكل وثيق في المحافل متعددة الأطراف، حيث تواجه روسيا حملات التشويه نفسها التي تعرضت لها سورية طوال سنوات الأزمة. إن إحياء الذكرى الثمانين للعلاقات الدبلوماسية بين سورية وروسيا يمثل فرصة لتأكيد التزام كلا البلدين بتوسيع التعاون في مختلف المجالات، و استمرارية هذه العلاقة تعتمد على إدارة التحديات القائمة واستغلال الفرص المتاحة لتعزيز الروابط الاقتصادية والثقافية والعسكرية. في النهاية، يبقى الأمل معقودًا على أن تسهم هذه الشراكة في تحقيق الاستقرار والازدهار لكل من سورية وروسيا وتستجيب لتطلعات شعبيهما.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال