إشراف حزب الله على توافق وقف إطلاق النار بين إسرائيل ولبنان
في ظل الاشتباكات الشديدة في قطاع غزة، التي تعتبر أطول حرب في تاريخ النظام الإسرائيلي الغاصب ونتيجة لتورط عدد كبير من القوات العسكرية والقدرات لهذا النظام، تلقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكبر تحدٍ له في الأربعة عشر شهرًا الماضية على الجبهة الشمالية، حيث أدى تدخل حزب الله إلى تفاقم الاوضاع وفقدان الأمن في المناطق السكنية وتشريد عشرات الآلاف من الإسرائيليين مما وضع الكيان المحتل تحت ضغط كبير. في إطار سعي النظام الإسرائيلي للتخلص من هذه الأزمة (كهدف أولي) وتدمير ونزع سلاح حزب الله (كهدف ثانوي)، شنت قواته هجمات على الضاحية الجنوبية لبيروت وجنوب لبنان. ولكن النتائج كانت عكسية حيث ازداد عدم الأمان في مناطق أخرى مثل "حيفا" وحتى "تل أبيب".
بعد حوالي شهرين من هذه الحرب عجزت إسرائيل عن السيطرة على المدن الجنوبية للبنان ولم تتمكن أيضًا من تحييد القدرة الصاروخية لحزب الله في الهجمات على شمال إسرائيل وما بعده. وبالفعل لم تتحقق أي من الأهداف الأولية والثانوية للنظام الإسرائيلي، ولم يكن أمامه خيار سوى التوصل إلى وقف إطلاق نار. وفي نهاية المطاف تم التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار رسميًا بين إسرائيل والدولة اللبنانية، وكان حزب الله مشرفاً على هذا الاتفاق.
هناك عدة نقاط هامة حول هذا الاتفاق نستطيع الإشارة إليها:
1- فشل النظام الإسرائيلي: خلال فترة الحرب على لبنان زعم العديد من المسؤولين الإسرائيليين أنهم قد قضوا على حوالي 80 بالمئة من قدرات حزب الله الصاروخية، ولكن اليوم نشهد أنه بعد انتهاء موجة الاغتيالات ضد قوات حزب الله، استطاعت هذه الحركة استعادة قدراتها البنيوية وتمكنت من توسيع نطاق نيرانها ليشمل المستوطنات المحتلة حيث استهدفت تل أبيب وحيفا عدة مرات. و نرى أنه في الأيام السابقة لوقف إطلاق النار ارتفع مستوى الهجمات بالطائرات المسيرة والصواريخ حيث تم استخدام أكثر من 200 صاروخ وقذيفة في 50 عملية في يوم واحد فقط ضد النظام الإسرائيلي مما جعل نصف سكان الإسرائيليين في ذلك اليوم مختبئين في الملاجئ.
الآن يتم تنفيذ وقف إطلاق النار في وقت لم تحقق فيه إسرائيل انتصارًا في الحرب وتسعى لتحقيق أهدافها عبر المفاوضات والسلام. وهذا الأمر يوضح أنه فشل في تحقيق أهداف عملياته الإسرائيلية وأن الاستمرار في العمليات العسكرية لم يعد له فائدة، وبالتالي ظهرت مستويات جديدة من الضعف بين صفوف الإسرائيليين. كما عجز النظام الإسرائيلي عن توفير الظروف لعودة سكانه المشردين إلى شمال البلاد. ومن المحتمل أن يكون هذا الأمر له دور مهم في إقناع بنيامين نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل بقبول وقف إطلاق النار مع حزب الله.
2- إنجازات لصالح بايدن: كما ذُكر سابقاً لم يكن أمام نتنياهو خيار سوى وقف إطلاق النار، لكن الأمريكيين يسعون للاستفادة من هذه الهزيمة لصالحهم كفرصة تُعتبر إنجازًا. في هذا السياق يمكننا الإشارة إلى تحليل نشرته "واشنطن بوست"، التي أفادت بأن الاتفاق لوقف إطلاق النار في لبنان هو إنجاز ثمين للدبلوماسية التي يقودها بايدن بعد عام من المحاولات الفاشلة لتحقيق وقف إطلاق النار في غزة. كما واصلت "واشنطن بوست" ادعاءها بأن الاتفاق تم بفضل دبلوماسية شاتل التقليدية التي قام بها آموس هوكشتاين، موفد البيت الأبيض، الذي قضى شهورًا في السفر بين بيروت وشرق القدس. ويطرح هذا الادعاء في حين أنه خلال الأربعة عشر شهرًا الماضية كانت الولايات المتحدة برئاسة بايدن شريكًا في العديد من الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل من خلال الدعم العسكري ورفض العديد من القرارات ضد جرائم الاحتلال، مما جعلها شريكة في مجازر النساء والأطفال والمدنيين في غزة، وهو أمر بات مثبتًا ليس فقط للناس في الولايات المتحدة بل للعالم أجمع.
3- حزب الله لا يزال ذراعًا قويًا لجبهة المقاومة والنضال ضد إسرائيل: من الضروري التأكيد على أن حزب الله لبنان لن يتراجع عن نضاله من أجل قضية فلسطين ودعمه لشعب غزة في مختلف الجبهات. وقد اعتبر البعض في غزة أن هذا الاتفاق يمثل قرارًا من حزب الله للتخلي عن استراتيجية "وحدة الجبهات". ولكن كما تم الإشارة سابقاً، فقد منح حزب الله الحكومة اللبنانية مهمة إدارة المفاوضات وكان هو نفسه ناظرًا لهذا الاتفاق.
بالإضافة إلى ذلك رد حزب الله لبنان في البيان رقم 5638 الذي صدر بعد ساعات من الإعلان الرسمي عن الاتفاق بين إسرائيل ولبنان، حيث أكد أن "غرفة عمليات المقاومة الإسلامية تؤكد أن مقاتليها سيحافظون على تخصصاتهم العسكرية المختلفة واستعدادهم الكامل لمواجهة الأطماع والاعتداءات الإسرائيلية، وأن تركيزهم سيكون على تحركات وانسحاب قوات العدو إلى خارج الحدود... وستبقى أيديهم على الزناد للدفاع عن سيادة لبنان وتعزيز مكانة شعبه".
كما تعهد حزب الله لبنان بمواصلة المقاومة بعزم أقوى والوقوف جنبًا إلى جنب مع المظلومين والمستضعفين والمجاهدين في فلسطين عاصمة القدس الشريف.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال