حافظت الولايات المتحدة على وجودها العسكري في العراق منذ عام 2003 بذرائع مختلفة وسعت خلال هذه الفترة إلى زيادة عدد قواعدها العسكرية في العراق من أجل السيطرة على المحاور الرئيسية، منها السياسية والأمنية في العراق. وحتى بعد استشهاد قادة المقاومة، اللواء قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، ورغم موافقة مجلس النواب وإصرار المسؤولين العراقيين على انسحاب القوات الأمريكية من العراق، إلا أنها بقيت تحت ذريعة ضمان الأمن العراقي في هذا البلد.
وقد أبلغت السلطات الأمریکیة الحكومة العراقية مؤخرًا أنها سحبت 2500 من قواتها البالغ عددها 5000 جندي من العراق، وهو ما لم يؤكده أي مصدر رسمي. كما يعتقد العديد من الخبراء العراقيين أن هذا التقدير غير دقيق ويحوم الشك حول صحته عن جد. وهذا أن الأمريكان يسيطرون على سماء العراق منذ سنوات ولا إشراف للحكومة العراقية عليها. لذلك، لا يمكن الثقة بالإحصائيات عن وصول وخروج الطائرات الأمريكية وعدد القوات التي تدخل العراق أو تغادره.
في عام 2003، خططت الولايات المتحدة للهجوم إلى العراق واحتلت البلاد رسميا لدرجة أنه اُنتخب حاكماً عسكرياً لتولي زمام الأمر في العراق وأصبح البلاد تحت وصاية البيت الأبيض كولاية أمريكية. ومع ذلك، أدت المقاومة الوطنية للشعب العراقي في نهاية المطاف إلى نقل السياسة والسيادة إلى السلطات والشعب العراقي. لكن بعد وجود تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وتعزيز هذه الجماعة في العراق، قرر البنتاغون العودة إلى العراق مرة أخرى والحصول على السلطة المطلقة في هذا البلد بحجة أنه هذه المرة،عکس ما فعله في 2003، لن ینفق مليارات الدولارات للسيطرة على العراق و لن یتحمل تكاليف عسكرية، بل سیكتسب القوة ویعيد بنائها فقط من خلال النفوذ السياسي في البلاد وهكذا أصبحت الولايات المتحدة نفسها مصدراً لانعدام الأمن في العراق. ومع زيادة الدوريات الجوية والعمليات الرسمية وغير الرسمية على الأراضي العراقية دون تنسيق بغداد، أصبح الأمريكيون عمليا القوة العابرة للحدود الوطنية، التي تتولى بسهولة قيادة الجيش العراقي وتسیطرعليه.
ولطالما كان العذر الأمريكي للتواجد في العراق هو أنه لن يكون هناك أمن إذا لم نكن كذلك. في حين أنه بعد صعود ظاهرة الإرهاب التكفيري في العراق وانعدام الأمن في هذه الأرض، لم يبذل الأمريكيون أي جهد لاستعادة الأمن في العراق وكانت فتوى آية الله العظمى السيستاني هي التي أحدثت تغييراً كبيراً وأنشأت القوات الأمنية الشعبية بما في ذلك الحشد الشعبي، والتي أصبحت إلى جانب القوات المسلحة العراقية قوة مضاعفة دمرت تدريجياً تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وحررت جميع المناطق التي كان قد احتلها التنظيم ما يسمى داعش.
في واقع الأمر، إن تطوير الهوية الوطنية للعراق من خلال رؤية أوسع للدين وتعريف الهوية المزيفة في إطار الإرهاب تمكن من إنشاء مجموعات ذات إنتماءات دينية وعرقية مختلفة للعمل على ضمان أمن هذا البلد. وأدى توسيع الثقافة المتمثلة في مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، بين قوات الأمن الشعبي إلى خلق أهداف ومبادئ عامة جديدة للأمن والدفاع وتوحيد فكرة المقاومة في العراق ونتيجة لذلك، تم تعزيز أمن البلاد. وحالیا، تعمل قوات الأمن العراقية في نفس الاتجاه مع قيادة العمليات المشتركة مع خمس فرق أخرى (الجيش والشرطة الاتحادية والحشد الشعبي والمخابرات والأمن الوطني) لتأمين العراق.
ومن أعظم إنجازات القوة الأمنية الجديدة في العراق إقامة مسيرة الأربعين خلال السنوات الماضية، ومع اقتراب أيام زيارة الحسين (ع) أقيم هذا الاحتفال بأفضل طريقة وبأمان تام مع توافد عشرات الزوار من مختلف البلدان إلى كربلاء المقدسة. حتى عندما كان تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أقيمت مسيرة الأربعين الضخمة وسط إجراءات أمنية مشددة من قبل قوات الأمن وجهاز المخابرات الوطني.
في غضون ذلك، قام الأمريكيون بمحاولات عديدة لتقويض الإنجاز الاستراتيجي لتجمع الملايين من محبي وعشاق أبا عبد الله الحسين (ع) في الأربعين الحسيني، بما في ذلك خطة التفریق بین الإخوة المسلمین وإثارة حرب شيعية- شيعية وتشويه شخصية المرجع الأعلى للشيعة آية الله السيستاني، غیر أن تلك المؤامرات تم إحباطها من خلال القوة التي لا مثيل لها لنظام الأمن والمخابرات العراقي. وهذا يدل على أن العراق وحده يتمتع بمستوى عالٍ من القوة الأمنية والاستخباراتیة ولا داعي لوجود قوات أجنبية لتوفير الأمن في هذا البلد. والأمريكيون الذين أتوا إلى العراق ذات مرة للانتداب علیه وجعله غير آمن، لم يعد لهم الآن مكان في العراق مع يقظة ووعي قوى الشعب العراقي وسلطاته، ولم يعد بإمكانهم استخدام الذريعة الزائفة التي اكتسبوا من خلالها السيادة السياسية واستقلال العراق السياسي.
المصدر ؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال