تفيدُ المعلومات التي تسرّبها الصحافة الأمريكية أن الولايات المتحدة لا تريد التراجع عن الاتفاق النووي مع إيران، لكنها في الوقت ذاته تحاول ممارسة استراتيجية “الضغط الأقصى” لدفع إيران إلى تقديم المزيد من التنازلات. وخلال زيارته الأخيرة إلى الشرق الأوسط، حاول بايدن تشكيل تحالف مناهض لإيران، لكنه فشل في تحقيق هذا الهدف، لأن دول المنطقة متجهة لتطبيع علاقاتها مع إيران مستفيدةً من العالم متعدّد الأقطاب الجديد.
في العام الماضي، حصلت إيران على كامل العضوية في منظمة شنغهاي للتعاون، وتقدّمت هذا العام بطلب للانضمام إلى مجموعة البريكس، كما رسّخت علاقاتها مع الهند. وقبل بضعة أشهر، وقّعت إيران اتفاقية نقل جديدة مع جارتها الشمالية أذربيجان ستكون مفيدة لكلا الطرفين، وتتضمن إنشاء خطوط السكك الحديدية والطرق السريعة والاتصالات وإمدادات الطاقة التي تربط منطقة شرق زانجيزور الاقتصادية في أذربيجان ومنطقة الحكم الذاتي لجمهورية ناختشيفان عبر الأراضي الإيرانية. ووفقاً للوثيقة، هناك خطط لبناء أربعة جسور على نهر أراز، وخطين للسكك الحديدية، وتطوير البنية التحتية للاتصالات، وإمدادات الطاقة لإنشاء ممر جديد. وبحسب المراقبين، فإن تحسين العلاقات مع أذربيجان سيفتح أيضاً ممراً للسكك الحديدية لروسيا. كما تمّ فتح طريق تجاري جديد آخر لربط الهند بروسيا عبر إيران، حيث استمر هذا المشروع منذ سنوات عديدة، ولكن تمّ تفعيله أخيراً هذا الشهر. في المستقبل، سيمتد الطريق من الهند إلى ميناء تشابهار في جنوب شرق إيران الذي ساعدت الهند في بنائه. من هناك، سيتمّ نقل البضائع بالسكك الحديدية شمالًا إلى بحر قزوين ثم بالسفن مباشرة إلى روسيا، حيث سيؤدي ذلك إلى تقصير مدة الرحلة، وإنهاء أي اعتماد على شركاء آخرين.
لكن أهم الأخبار بالنسبة لإيران هي صفقة جديدة مع شركة “غازبروم” الروسية التي تمّ توقيعها مؤخراً بقيمة 40 مليار دولار، حيث من المقرّر أن تساعد “غازبروم” الشركة الإيرانية للنفط في تطوير حقلي الغاز كيش ونورث بارس، بالإضافة إلى ستة حقول نفطية، كما ستشارك “غازبروم” أيضاً في تحقيق مشاريع الغاز الطبيعي المسال وإنشاء خطوط أنابيب الغاز للتصدير. وبحسب المراقبين الإيرانيين، فإن شركة “غازبروم” شريك قويّ، ولا يمكن أن تعرقله العقوبات الأمريكية، وهي ستساعد إيران على تصدير المزيد من غازها الوفير. كما سيكون لروسيا أيضاً خيار العمل مع إيران لإبقاء الأسعار عند مستوى معيّن.
إن صفقة بهذا الحجم تأتي أيضاً مع توفير الحماية التامة، بمعنى أن إيران ستكون قادرة على طلب المساعدة من روسيا في حال تعرّضت لهجوم ما. زيادة على ذلك، عندما تنتج إيران ما يكفي من الغاز، يمكنها إحياء مشروع خط أنابيب الغاز القديم الواصل إلى الهند، والذي يمكن أن يمرّ عبر باكستان أو، كما قد تفضّل الهند، عبر خط أنابيب الغاز تحت البحر. وبحسب المراقبين، فإن خط أنابيب غاز تحت البحر بطول 1300 كيلومتر من إيران يتجاوز المياه الباكستانية يمكن أن ينقل الغاز الطبيعي من الخليج الفارسي إلى الهند بسعر أقل من الغاز الطبيعي المسال المتوفر في السوق.
وهكذا، على الرغم من العقوبات الأمريكية، عادت إيران إلى الاندماج الكامل في منطقتها مرة أخرى، ما اعتبره المراقبون نجاحاً كبيراً، حيث ستساعد اتفاقيات الغاز والعبور اقتصادها على إحراز تقدم، حتى لو أضافت الولايات المتحدة عقوبات جديدة.
لقد كانت حقيقة انسحاب ترامب من الاتفاق النووي فكرة غبية، حتى عدم قيام بايدن بإحيائه بعد توليه منصبه كان غباءً موصوفاً، ذلك أنه في العالم متعدّد الأقطاب الموجود الآن، يمكن لإيران أن تتطور كما تريد هي، وستتجاهل الدول الأخرى الآن عقوبات الولايات المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، فلم يعد التهديد بهذه العقوبات مفيداً، وستجد الدول الأخرى التي تتعرض للعقوبات الأمريكية والأوروبية الكيدية، طرقاً وتحالفات جديدة لتحسين وضعها.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال