أربعة وأربعون عاماً وهم يحاولون إلصاق التهمة بها بأنها ثورة إيرانية، وبالتالي ما دخل العرب بها أو سائر الأمم الاخرى…!؟
أربعة وأربعون عاماً وهم يحاولون إلصاق التهمة بها بأنها ثورة شيعية، وبالتالي ما دخل أهل السنة بها او سائر الطوائف الأخرى!؟
أربعة وأربعون عاماً وهم يحاولون إلصاق التهمة بها بأنها ثورة «صفوية»، وبالتالي ما دخل الإسلام والمسلمين بها!؟
أربعة وأربعون عاماً وهم يبذلون قصارى جهدهم لإثبات انّ هذه الثورة الدينية لأنها دينية فهي تعني التخلف والجهل والظلامية واللاعصرية واللامدنية!
أربعة وأربعون عاماً وقبل ذلك ربع قرن إضافي وهم يحاولون إخراج قادتها العلماء من مسرح الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية والفكرية للناس بحجة انّ حداثتهم و»تقدمهم» و»مدنيتهم» أسدلت الستار والى الأبد على مقولتي التديّن والايديولوجيا، وأنهم باتوا يمثلون «نهاية التاريخ»…
وانّ من يقف بوجههم أو من يحاججهم مهزوم لا محالة وأمره ماضٍ الى زوال من دون شك او ترديد، فكيف من تجرأ او يتجرأ على مقارعتهم…!؟
أربعة وأربعون عاماً ومثلها او يزيد من قبل، وهم يبذلون قصارى جهدهم لإثبات ان نظامهم الدولي، ايّ معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، وما تبعها من تكريس وتعزيز مدنس بقيام كيان الاغتصاب والاحتلال، هو النظام التقدمي والحر والأصيل والوحيد القادر على صناعة التاريخ والارتقاء بالأمم الى سدة الحضارة والتطور والسيادة والريادة…
أربعة وأربعون عاماً وهم مغتاظون لماذا قامت طهران برفع راية العروبة والإسلام وفلسطين التي رماها إخوة يوسف على قارعة الطريق، وأدخلت العربية لغة رسمية ثانية في مناهجها واعترفت بأهل الأرض الاصليين والحقيقيين لتلك الأرض الطاهرة والمباركة من أيام كنعان الى يوم الدين.
ورفعت شعارها الشهير: اليوم إيران وغداً فلسطين.
وحاولوا إسقاط تلك الراية مجدّداً لكي لا تفضحهم ولا تفضح سر علاقتهم بسيدهم المؤسّس لكياناتهم المصطنعة والطارئة.
لكن ذلك الرجل الثمانيني الوقور والحكيم والزاهد في الدنيا والفقير الى الله لكنه الغني بدينه وثباته وتصميمه والمتمسك بعقيدته وعزيمته الراسخة على انه الأقوى وانه الأعز وانه الأرقى ما دام معتصماً بحبل الله المتين ومؤمن بمقولة: «ان ينصركم الله فلا غالب لكم»، استطاع ان يبزّهم جميعاً وفرادى ويثبت لهم بطلان ما روّجوا له، عنيتُ به الامام روح الله الموسوي الخميني الكبير.
في مثل هذه الأيام من العام 1979 استطاع رجل الاحتجاج والرفض والثورة والحكم ان يضع حداً لكلّ محاولاتهم اليائسة والبائسة…
بعبارة واحدة اعتمدها منهجاً، استطاع ان يبزّهم جميعاً يوم وجه نداءه الشهير:
يا شعبنا العظيم ويا شعوب العالم أجمع: «لقّنوا أنفسكم انكم تستطيعون، ستستطيعون حتماً»…
وبمنهج واضح ومنير ومستنير استطاع ان يعرض أفكاره ملخِّصاً كلّ ما أراد قوله او فعله على مدى حياته مقدِّماً معادلته البديلة:
الدين يساوي الحياة…
نعم الحياة كلها من ألفها الى يائها وهمزها والحروف كلها…
وهكذا كانت المبارزة في ميادين الغيب كما في ساحات الشهادة، ايّ في ميادين ادّعاءات خصومه من حيث روّجوا لخروج الدين من دورة الحياة، كما في تلك الميادين التي ظنوا انهم الوحيدون الفاعلون فيها ايّ امتلاك الصدارة في شؤون العلم والعقل، استطاع قائد الثورة وحكيمها وحاكم دولتها الفتية ومن بعده تلامذته الملتزمون بخطه ونهجه، ان يبزّوا ذلك الغربي المتعجرف والاستعلائي والأناني من خلال *منظومة العيون الأربعة*.
وذلك يوم دعا شعبه وعمل معهم على رسم معالم اول دولة دينية حديثة ومعاصرة تقوم على مبدأ الجمع والمزج المدروس والمتقن والمحكم بين العقيدة والعزيمة والعلم والعقل.
وهكذا كان… وبُهِتَ الذي كفر.
انظروا الآن الى إيران بعد كلّ ما جرى لها.. واحكموا وقارنوا أنتم بأنفسكم ماذا كانوا يريدون لها ان تكون وماذا خططوا ضدّها وماذا فكروا لها وماذا روّجوا عنها وما آلت اليه فعلاً كما أرادت لها قيادتها الحكيمة…!؟
لم يتركوا وسيلة للتآمر عليها ولا محاولة لإسقاط ثورتها ودولتها إلا وقد فعلوا والشواهد والأدلة والقرائن بالمئات…
لم يتركوا باباً او نافذة يعرفونها إلا وأغلقوها على الدولة الفتية، ولم يتركوا أحداً من ضعاف النفوس إلا واشتروه ليعمل ضدها، ولم يتركوا جماعة او دويلة او إمارة او حكومة او ملكاً او رئيساً إلا وجندوه ضدّها بالحرب الصلبة أو بالحرب الناعمة.
حاولوا حصارها كما فعلوا بجدّ ذلك الرجل الثمانيني العجوز عنيتُ به النبي العربي القرشي محمد بن عبد الله، واستمروا من بعده مع وريثه الحق الإمام السيد علي الخامنئي حتى قيل عن طهران يوماً على لسان معانديها وبعض المرجفين في المدينة من أبناء جلدتها بأنها باتت في «شِعب ابي طالب» كما ظنوا وانه ما هي إلا أشهر وتسقط…!
ولكن ماذا حصل بفعل تلك «العيون الأربعة» وماذا حصل بفعل منهج: «لقنوا انفسكم بانكم تستطيعون، ستستطيعون»!؟
ليس فقط لم يتمكنوا منها ولم يستطيعوا حشرها في شِعب ابي طالب، بل أنها اصبحت اليوم بكلّ فخر واعتزاز في عصر بدرٍ وخيبر…
نعم انها تصعد الى الفضاء بصواريخها ومُسيّراتها متعملقة بأقمارها ومسبارها وسائر مركباتها، وتجوب البحار على مدى الأفق من هرمز الى خليج عدن وباب المندب الى المحيط الهندي والى مضيق جبل طارق والى مابعد بعد جبل طارق، حتى مضيق باناما، والقادم أبعد وأبعد.
وتتصدّر في العلوم قائمة المتميّزين ضمن الدول العشرة الاولى في العالم في أكثر من صعيد ومستوى وحقل، والمقبل من الأيام يشي بمفاجآت كبيرة وأكبر وأكبر.
والأمر كذلك في ميادين السياسة والدور والموقع حيث غدت عضواً أساسياً في نادي الدول النووية في العالم ناهيك عن كونها الدولة الإقليمية الأهمّ فيه والتي يشار إليها في البنان في كل شاردة وواردة.
وفوق هذا وقبله وبعده ترى «سيد» هذا العالم المستعلي والمتجبر والمستكبر يجد نفسه مضطراً ومجبراً ومكرهاً للإذعان بضرورة مفاوضتها بأيّ ملف من ملفات المنطقة، معترفاً لها بذلك بأنها أفلتت من حصاره، وموقناً أكثر فأكثر، بأنه لا فكاك من التعايش معها ولو على مضض…
انها عزة الصابرين الاستراتيجيين والمتقنين لديبلوماسية حياكة السجاد، نعم بفضل جمعهم لعالم الغيب والشهادة في منظومة ينبغي ان تسجل لذلك الرجل الثمانيني الضارب جذوره في أعماق عين اليقين:
إنها «منظومة العيون الأربعة»…
انها المنظومة التي هزمت فوكوياما «نهاية التاريخ» ومن قبله هنتنغتون «صراع الحضارات»، والتي أسّست لعصر خلفه الإمام السيد علي الخامنئي، صاحب نظرية دولة الحضارة الإسلامية المعاصرة، بقواعد تعامل واشتباك سياسي أمني عسكري وفكري وثقافي جديدة مع الخصوم، يستطيع معها القول:
بأن العالم الذي جمع له يوماً ليهزمه ويهزم ثورة شعبه ليس فقط يفشل اليوم في كل حشده المتوالي على مدى أربعة عقود…
بل بات اليوم أكثر قوة وأشدّ عزماً بعد أن بات معه على الميمنة كما على الميسرة رجال أشداء كأنهم زُبُر الحديد أمثال السيد حسن نصر الله والسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وفي القلب رجال من جنس الشهداء القادة أمثال الحاج قاسم سليماني وابي مهدي المهندس… قادرون على ان يهزموا ما تبقى من معادلة المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، والتي من أهمّ ركائزها «دويلة الكيان المؤقت»، ذلك الكيان السرطاني الذي بات أقرب ما يكون الى التفكك والتصدّع والاقتراب من نقطة الزوال!
وهكذا صار أبناء منظومة العيون الأربعة هم سلاطين البحر المتوسط والبحر الأحمر وسادة جزيرة العرب وورثة ممالك فارس وفينيقيا وبلقيس ومأرب ورجال الله يوم الفتح الأكبر في ما بعد بعد الجليل وتحرير فلسطين كلّ فلسطين..
إنهم يرونه بعيداً ونراه قريباً.
بعدنا طيبين قولوا الله…
محمد صادق الحسيني
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال