وكأنّ كلّ المعطيات تشير إلى أن عودة الولايات المتحدة الأمريكية إلى الاتفاق النووي مع إيران باتت أمراً مطلوباً أمريكياً بحكم الواقع الذي يفرضه الوضع السياسي الدولي. هذه المعطيات لم تأتِ من فراغ، لأنه بالنظر إلى مضامين التصريحات الأمريكية نرى أن هناك تحولاً في التعاطي مع هذا الملف. في السابق كان من المألوف اتهام إيران بعرقلة المفاوضات، انطلاقاً من مبدأ “كلما زاد التقدم في تخصيب اليورانيوم، قويت المواقف التفاوضية”. ولكن، هذا المبدأ أثبت أنه غير منطقيّ على الإطلاق، ولهذا أرسلت الولايات المتحدة الضوء الأخضر لإجراء محادثات بهدف استعادة “الاتفاق النووي” الذي دُفن في عهد دونالد ترامب، بما تضمنه -الضوء الأخضر- من إيضاحات أنه بالإمكان مراجعة الاتفاقية، سواء ما يتعلق بالبرنامج النووي أو التفضيلات الاقتصادية.
حتى الآن لا أحد يملك المعلومات عن السخاء في وعود الجانب الأمريكي، صاحب المصلحة أكثر من غيره في إحياء الصفقة لأسباب عديدة، أهمها أنه على خلفية الهزائم المؤلمة في السياسة الخارجية، تحتاج إدارة بايدن إلى تحقيق اختراق ما في السياسة الخارجية، هذا في الجانب السياسي. أما في الجانب الاقتصادي، فقد ضاعفت سياسة بايدن الاقتصادية من حجم التضخم، ناهيك عن الانخفاض في إنتاج النفط. والآن، للولايات المتحدة مصلحة في انخفاض أسعار النفط، وسيكون لإحياء خطة العمل الشاملة المشتركة مثل هذا التأثير بعد رفع العقوبات، بحيث سيسمح بإدخال النفط الإيراني إلى السوق المشتركة، وبالتالي خفض أسعاره إلى ما كانت عليه قبل العقوبات على إيران.
جميع هذه الرسائل تلقتها إيران، ولم يتردّد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، الذي أعلن في كلمة مسجلة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أنه يؤيد استئناف المفاوضات لإنقاذ الاتفاق المبرم حول برنامج بلاده النووي إذا كان “هدفها النهائي رفع كل العقوبات الجائرة”. ولحقه وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان، بالإعلان في مؤتمر صحافي على هامش انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة، قائلاً إن المحادثات المجمّدة بشأن الاتفاق النووي الإيراني ستُستأنف “قريباً جداً”، لكنه اتهم الولايات المتحدة ببعث “رسائل متناقضة” بشأن إعادة إحياء الاتفاق.
هذه “الرسائل المتناقضة” قرأها الإيرانيون جيداً، وهم يدركون أنها نتيجة طبيعية لحدثين طَبَعا التاريخ هذا العام، الأول في السادس من كانون الثاني الماضي حين اقتحم المواطنون الأمريكيون مقرّ الكونغرس الأمريكي، والثاني في آب الماضي حين تساقط الأفغان من الطائرات الأمريكية. أي أنه من الكابيتول إلى كابول، تمّ توجيه رسالة واضحة إلى العالم مفادها أن النظام الأمريكي لا يتمتّع بأي مصداقية، لا داخل البلاد ولا خارجها، وهو الآن بأمسّ الحاجة لمن ينقذه، ولهذا أرسل الضوء الأخضر!.
المصدر: البعث
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال