ظلّت جورجيا في السنوات الأخيرة ساحةً للصراع بين مؤيدي الغرب والوطنين المحليين. وقد شهدت البلاد في عام 2003 أول تجربة للثورة الملونة (الانقلاب المخملي) وتدخلًا مباشرًا من الدول الغربية في شؤونها الداخلية. ونظرًا للظروف الجغرافية لهذه البلاد وإمكانيات الوصول السهلة، فإن الدول الغربية تتطلع إلى النفوذ في هذه البلاد. كما أن جيران روسيا يضيفون أهمية خاصة للعلاقات السياسية بين جورجيا وروسيا. في الأيام الأخيرة ومع نتائج انتخابات البرلمان في هذا البلد، حيث حصلت الحكومة السائدة على غالبية أصوات الشعب، سُمعت من جديد تلميحاتُ تدخّل الولايات المتحدة في الانتخابات الجورجية، وقد نبه الحزب الفائز في الانتخابات البرلمانية الجورجية من أي تدخل خارجي في هذه الانتخابات.(1) بالنظر إلى القضايا السياسية في منطقة القوقاز يتوجب إجراء دراسات شاملة حول أبعاد احتمال تدخل الدول الغربية في جورجيا.
محاصرة روسيا: إن أحد أهداف الدول الغربية للسيطرة على خصومها هو محاصرتها واحتوائها ويتمثل ذلك في إحاطة هذه الدول بجيران موالين للغرب. ينطبق هذا الأمر على روسيا أيضًا. في الوقت الحالي حيث تخوض روسيا وأوكرانيا حربًا طويلة، يمكن أن يشكل تدخل الدول الغربية في جورجيا عبئًا على روسيا(2) ويُسهل الظروف لتفيذ إجراءات مدمرة بالنسبة لها من الجانب الشمالي. وفي حين تركز روسيا اهتمامها على حرب أوكرانيا، فإنها لا تستطيع إعطاء الاهتمام الكافي لدول جوارها، مما يتيح الفرصة للدول الغربية للتدخل في دول مثل جورجيا. بالإضافة إلى جورجيا تعتبر أذربيجان أيضًا في منطقة القوقاز إحدى المجالات التي تُعتبر موضع طمع الغرب للتدخل واحتواء روسيا.
خط الطاقة: في السنوات الأخيرة أصبحت مسألة نقل الطاقة من المفاهيم التي تحمل أبعادًا مهمة في السياسة الدولية، لا تقتصر أهميتها على الأبعاد الاقتصادية فحسب، بل اكتسبت أيضًا أهمية سياسية. تُعد منطقة القوقاز، بالإضافة إلى كونها تمتلك خطوط نقل طاقة مهمة منذ سنوات مصدرًا مهمًا للطاقة(3)، وتسعى الدول في هذه المنطقة لاستكشاف واستخراج الطاقة. يمكن أن يسهل نفوذ الغرب في هذه المنطقة رقابة نقل الطاقة والسيطرة على مصادر النفط والغاز لصالح الدول الغربية. وقد يُعتبر هذا الأمر ميزة خاصة للدول الغربية التي سعت في السنوات الماضية للوصول إلى الطاقة بشكل أكبر وأسهل.
التنافس مع الصين: يُعتبر التنافس مع الصين أحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة في منطقة آسيا(4). استطاعت الصين من خلال مبادرتها "الحزام والطريق" الوصول إلى العديد من الدول الآسيوية. تعتبر منطقة القوقاز من المناطق المهمة في التقسيمات الخاصة بالممرات الدولية. بناءً على ذلك يمكن أن يُلحق وجود الغرب في هذه المنطقة الضرر بأهداف الصين في تنفيذ النظام الذي تسعى إليه، بجانب الأبعاد الاقتصادية التي لها أيضًا أبعاد سياسية. يجب أن يدرك الصينيون أن تنفيذ الأهداف الاقتصادية على المستوى العالمي يتطلب أبعادًا أمنية وسياسية، وإذا تم التغافل عن ذلك فإن الأهداف الاقتصادية لن تكون قابلة للتنفيذ.
بشكل عام، يجب القول إن أحد الأهداف الرئيسية للولايات المتحدة والدول الأوروبية هو محاصرة خصومهم. وفي هذا السياق تُعتبر جورجيا واحدة من أفضل الدول لتنفيذ مخططها، ومن خلال هذا البلد يمكن توجيه الأنظار إلى كل من روسيا والصين، مما يعني أن هناك إجراءات مدمرة لتنفيذ الخطط الاقتصادية الصينية في منطقة القوقاز. يمكن أن تتعاون الدول الشرقية من خلال التعاون المشترك وبرامج عمل منظّمة لإنقاذ دول جوارهم من تدخل الدول الغربية.
يمكن لروسيا والصين وإيران تنفيذ مناورات عسكرية في هذه المناطق (كبعد عسكري)، كما يمكن لهذه الدول طرح خطط حول القضايا الاقتصادية لدولها المجاورة بطريقة تجعل جيرانهم يشعرون بالاعتماد على هذه الدول (كبعد اقتصادي). يمكن أن تساهم هذه البرامج المشتركة في إحباط العديد من المخططات والمؤامرات التي تحيكها الدول الغربية للتدخل في دول الجوار لهذه الدول الثلاث. يمكن أن تمثل قضايا دول الجوار لروسيا جرس إنذار وتحذير للصين وإيران من احتمال تدخل الولايات المتحدة في دول جوارهم أيضًا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال