جنديا كان أم شرطيًا، ليس في ذلك جدال مجدي يحاول البعض جر المحللين والاستراتيجيين إليه للتقليل من البعد الأهم لعملية قتل 3 جنود اسرائيليين، بل تكمن الحقيقة في أن بطلًا من مصر نشر الرعب في كل أركان الكيان الصهيوني المؤقت، ولا سيما في عقول وأروقة الجيش والأجهزة الاستخبارية، ليس فقط بالثمن الباهظ الذي دفعه الكيان في مصرع جنوده الثلاثة على يدي البطل المصري، وانما كمثال موجود ولا أحد يدرك تعداد أمثاله ممن يبحثون عن الفرصة والهدف ,ليكون كابوسًا مرعبًا على كيان الاحتلال.
نعم هناك رعب في "إسرائيل" من عقلية المقاتل المصري - بغض النظر عن الاتصالات ولجان التحقيق المشتركة ومحاولات دس السم - مع اجتياح سمة الارباك لدى القيادة السياسية في الوقت الذي قام فيه الاعلام الصهيوني باستعاد جملة مفتاحية للحاخام جيرشون إدلشتاين قبل أقل من شهر من وفاته في سياق توصيف التحديات التي تهدد استمرار وجود "إسرائيل" وهي: "نحن محاطون بالأعداء من كل الجهات، ومصر من بين الأمم التي تكرهنا، نحن نحتاج لمعجزة إلهية للخلاص من أعدائنا"، مع أنه كان يدرك أن زمن المعجزات قد ولى.
لقد ذهبت التحليلات، ولا سيما من المتخصصين الصهاينة إلى اعتبار العملية وكأنها احدى الاستجابات لمعركة "وحدة الساحات" التي كانت نتاج محور المقاومة. وهنا استعاد المحلل العسكري في صحيفة "يديعوت أحرونوت" يوسي يهوشع حادثة مجيدو، وقال: "إن هذا ثاني اختراق للحدود في الأشهر الثلاثة الأخيرة، وذلك بعد أن تمكن شخص عبر من لبنان لمسافة 70 كيلومترًا تقريبًا في آذار من الوصول إلى مفترق مجيدو، ووضع عبوة ناسفة، تسبب انفجارها بإصابة خطيرة لمواطن. وقتل جنود إسرائيليون المتسلل عند الحدود مع لبنان لدى عودته إليها"، حسب تعبيره.
طبعا انتشرت روايات وتحليلات متناقضة حول سير العملية المقدامة للشجاع المصري. وكذلك، وجّهت اتهامات بالتقصير سيّما الى سلاح الجو الذي دافع عن أدائه بالقول إن من كانوا على الأرض لم يدركوا ما جرى إلا بعد ساعات.ويبقى الأرجح ما كشفه قائد لواء الجنوب في جيش العدو اللواء اليعازر توليدانو من أن الجندي المصري اخترق الأراضي المحتلة واشتبك 3 مرات مع الجنود. وبحسب إعلام العدو، فإن التحقيق أظهر أن "الشرطي المصري قام بما قام به حسب خطة مدروسة جيدًا، إذ إنه يعرف المنطقة جيدًا بحكم عمله، وحمل سكينين استخدم إحداها لقطع الأصفاد الموضوعة على بوابة معبر الطوارئ المخصص لمرور القوات الإسرائيلية عند الحاجة إلى الجانب المصري، وعبر منه". وقالت صحيفة "هآرتس" إن التحقيق الأولي كشف أن الجندي المصري دخل عبر معبر مغلق بالأصفاد من الصعب اختراقه بسهولة، وكان على بعد مئات الأمتار من نقطة الحراسة الإسرائيلية، مشيرة إلى أنه لا يزال من غير الواضح ما إذا كان الجنود الإسرائيليون الذين كانوا يحرسون الموقع وقتلوا، على علم بالفتحة أم لا. وهذا بالتأكيد قبل الاشتباك الذي قتل فيه الجندي الثالث واصابة ضابط اسرائيلي.
كما أوردت صحيفة "معاريف" نتائج التحقيق الأولي للجيش الإسرائيلي المتعلق بمقتل الجنود إلاسرائيليين. وقالت إن الشرطي المصري خطط للهجوم بدقة، وربما تلقى مساعدة على مستوى التخطيط، وقد توغل مسافة 5 كيلومترات من موقعه في الأراضي المصرية، وسط تضاريس صعبة للغاية، أنه خطط لمسار التسلل، وعرف موقع الجنود الذي يبعد نحو 150 مترا عن ممر الطوارئ في السياج الحدودي. وقالت قالت إذاعة جيش العدو إن الجنديين اللذين قتلا أولًا قرب الحدود لم يطلقا النار من أسلحتهما، ويبدو أن منفذ العملية فاجأهما، مشيرة إلى أن طائرة مسيّرة رصدت مطلق النار على عمق 1.5 كيلومتر من الحدود الفاصلة.
اتضح من التحقيق وفقًا للاعلام الاسرائيلي أن الشهيد المصري الذي عبر من "العوجة" عرف المنطقة جيدًا، وذلك بحكم عمله كحارس حدود دائم، وعرف بالضبط مكان تواجد الجنديين اللذين أطلق عليهما الرصاص في البداية. وقد أعد مخبأ لنفسه للتخفي داخل الأراضي المحتلة والبقاء فيه مدة طويلة، حيث استقر داخل عمق كيلومتر ونصف شرق السياج، ووضع علامة على كومة من الصخور مستعينًا بالتضاريس الجبلية للمنطقة الحدودية التي تضم العديد من المنحنيات والمرتفعات الصخرية.
بغض النظر عن التحقيق المشترك في ضوء الروايتين الأمنيتين المتناقضتين بين القاهرة و"تل ابيب" وما سيرسو عليه الاستنتاج والتداعيات المحتملة، سيبقى السؤال الرئيسي المطروح الآن والأصعب في الدوائر الأمنية الصهيونية التي ستعجز حتمًا في ايجاد الاجابة الشافية له هو ما إذا كان الجندي المصري تصرف من تلقاء نفسه، أم أنه جزء من تنظيم مسلح؟ وهو ما قد يثير المخاوف من تكرار مثل هذه "الحوادث غير المحسوبة والمفاجئة" بالنسبة للعدو. وعلّق مسؤولون إسرائيليون: "هذا السؤال مهم للغاية".
الخسائر الفورية التي دفعها الكيان على المستوى العسكري والأمني ستلقي بظلالها على كل الكيان، وهو ما ألمح إليه خبراء عسكريون صهاينة من خلال طرح عميق في ضوء مناورة "كسارة العروش" بأن ما حدث على الجبهة المصرية خطير جدًا، فكيف اذا عبرت "قوات الرضوان"؟
وفي سياق هذه المعادلة، قال المراسل العسكري لموقع "واللا" الإسرائيلي أمير بوخبوط: "انهار مفهوم الجيش الإسرائيلي للدفاع في اللحظة التي أعقبت استثمار مليارات الشواقل على الحدود المصرية، وهناك العديد من الأسئلة العميقة والتي لا تتعلق فقط بالملاحظات التكنولوجية".
المصدر: العهد
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال