استئناف التجارب النووية الأمريكية وتداعياتها على الأمن العالمي 315

استئناف التجارب النووية الأمريكية وتداعياتها على الأمن العالمي

قبل ساعات قليلة من لقاء دونالد ترامب مع شي جين بينغ في كوريا الجنوبية وذلك في 29 من اوكتوبر 2025 ميلادي أعلن ترامب على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" أنه أمر وزارة الحرب الأمريكية بالبدء فورًا في اختبار الأسلحة النووية على قدم المساواة مع الدول الأخرى.


أجرت الحكومة الأمريكية آخر تجربة نووية لها عام 1992 أي قبل 33 عامًا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ثم أعلن جورج دبليو بوش الأب وقف التجارب النووية تحت الأرض مع بداية عصر القطب الواحد الأمريكي.[1]


مع انهيار الاتحاد الشرقي خفت حدة السباق النووي أيضًا؛ ولكن مع بداية تراجع الولايات المتحدة وخاصة بعد الأزمة المالية عام 2008 وفي المقابل النمو السريع للصين كقطب جديد في العالم وغزو روسيا لأوكرانيا وانفصال شبه جزيرة القرم عادت بوادر بداية جديدة لعصر التنافس بين القوى العظمى.


في غضون ذلك زادت الصين بصفتها القوة العظمى الجديدة في العالم عدد رؤوسها النووية بشكل متزايد. وقد أثار هذا قلق واشنطن. ومن وجهة نظر الحكومة الأمريكية تسببت هذه السياسة الصينية في انخفاض التوازن بين البلدين. ووفقًا لتقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI)، تزيد بكين مخزونها من الرؤوس النووية بشكل أسرع من أي دولة أخرى. تمتلك الصين الآن ما لا يقل عن 600 رأس نووي وقد أضافت حوالي 100 رأس نووي سنويًا منذ عام 2023.[2]


وبمعدل الزيادة الحالي يمكن أن تمتلك الصين 1500 رأس نووي بحلول عام 2035. وهذا يكاد يكون مساويًا لعدد الرؤوس الحربية التي تمتلكها روسيا والولايات المتحدة حاليًا للاستخدام قصير المدى.


بدأت سياسة الولايات المتحدة لمواجهة نمو الأسلحة النووية للصين، ثاني أكبر قوة عظمى في العالم في العمل تحت قيادة جو بايدن. وفقًا لتقييم الحكومة الأمريكية في عهد بايدن ينبغي لسياسة الردع الأمريكية أن تولي اهتمامًا خاصًا للزيادة السريعة في الترسانة النووية الصينية وهي ترسانة ستكون مماثلة في الحجم والتنوع لاحتياطيات الولايات المتحدة وروسيا في العقد المقبل.[3]


هذه السياسة التي بدأت في عهد بايدن وبلغت ذروتها خلال ولاية ترامب الثانية مع تزايد الخلافات بين الصين والولايات المتحدة، فقد استأنفت كلتا الحكومتين وخاصة واشنطن كقوة متفوقة سياسة المنافسة النووية لاستعادة التوازن المنشود، حيث ترى وضعها في خطر لمواجهة نمو الصين وإمكانية هجوم روسي على أوروبا.


يُعد أمر دونالد ترامب باستئناف تجارب الأسلحة النووية أحد القرارات التي ستدخل حقبة جديدة في العلاقات الدولية لأن هذه السياسة تشوه فعليًا معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، التي تُعرف بأنها الركيزة الأساسية لنظام الحد من الأسلحة منذ عام 1996 وتزيد من أجواء عدم الثقة في العلاقات بين القوى النووية.[4]


لقد شكّلت المعاهدة أداةً رئيسيةً في منع انتشار سباق التسلح. والآن يُرسل قرار ترامب رسالةً مفادها أن واشنطن لم تعد تعتبر نفسها مُلزمةً بالمعايير الدولية في مجال التسلح وأن دولًا أخرى بدأت باختبار أسلحة نووية بهدف تحقيق التوازن وردع الولايات المتحدة في السباق النووي.[5]


كما تدفع هذه السياسة الأمريكية الدول غير النووية إلى التوجه نحو امتلاك أسلحة نووية لضمان الأمن والردع وتُحبط الجهود العالمية والمؤسسات الدولية للحد من انتشار أسلحة الدمار الشامل.


ردّت روسيا والصين بحدة على السياسة الأمريكية الجديدة ورفضت وزارة الخارجية الصينية ادعاء ترامب بشأن إجراء بكين تجربةً نووية وردّت روسيا بقوة أكبر؛ كما صرّح الرئيس الروسي بوتين بأنه في حال أجرت الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى مثل هذه التجارب النووية فإن روسيا مُلزمة باستئناف الإجراءات المضادة.[6][7][8]


في الواقع يدفع قرار ترامب الصين وروسيا كقوتين نوويتين عظميين إلى التوافق؛ إذ تعتبران التجارب النووية الأمريكية تهديدًا مباشرًا لأمنهما القومي وتوازنهما الدولي. ترى هاتان الدولتان أن الولايات المتحدة تسعى للتفوق النووي، كما تُجري بكين وموسكو تجارب نووية جديدة وتُطوران أنظمة نووية جديدة لتحدي هذه القضية وإرساء توازن القوى.


مع تفاقم أجواء انعدام الثقة تزداد احتمالية وقوع أخطاء استراتيجية وأزمات عسكرية مما قد يؤدي إلى صراع نووي بين القوى النووية العظمى الثلاث. ومع اشتداد سباق التسلح النووي تسعى دول نووية أخرى أيضًا إلى حوافز أكبر لزيادة قوتها النووية لمواكبة هذا التنافس وزيادة المخاوف.


تُعدّ التجارب النووية من أكثر أشكال النشاط البشري تدميرًا للبيئة خلال القرن العشرين. بين عامي 1945 و1996 أُجريت أكثر من 2000 تجربة نووية في العالم، ووفقًا لتقرير اللجنة العلمية التابعة للأمم المتحدة (UNSCEAR)، تعرض ملايين الأشخاص في المناطق المحيطة بمواقع التجارب للإشعاعات المشعة مما أدى إلى أمراض مختلفة وخاصة أمراض السرطان.[9]


أدت هذه التجارب إلى تلوث بيئي كبير وخاصة التجارب النووية الأمريكية في المحيط الهادئ مما أدى إلى الهجرة القسرية لآلاف الأشخاص. يخترق الإشعاع المنبعث من الانفجارات النووية التربة والمياه الجوفية والغلاف الجوي مخلفًا آثارًا تدوم قرونًا.


حذّر علماء البيئة في تقرير صادر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام (SIPRI) من أن أي تجربة نووية جديدة قد تُطلق جزيئات مشعة في الغلاف الجوي وتُسبب هطول أمطار ملوثة في مناطق بعيدة. كانت هذه الظاهرة المعروفة باسم "المطر المشع" في ستينيات القرن الماضي أحد الأسباب الرئيسية للحظر العالمي على التجارب الجوية.[10]


يعني هذا الإجراء الأمريكي تجاهلًا لمعاهدات الأسلحة. ينبغي على الدول النووية الأخرى بدء محادثات متعددة الأطراف بالتنسيق على أن تكون واشنطن حاضرة فيها أيضًا بضغط دبلوماسي. ستُشكّل زيادة التنافس النووي مصدر قلق لجميع الدول النووية وغير النووية، وقد يؤدي ذلك إلى إبرام معاهدات نووية جديدة. كما يُمكن للأمم المتحدة بصفتها أكبر هيئة دولية أن تُقدّم مقترحات لبدء مفاوضات حظر الانتشار النووي من خلال الجمعية العامة ومجلس الأمن.




[1]https://www.nbcnews.com/politics/national-security/trump-orders-pentagon-begin-testing-nuclear-weapons-immediately-rcna240681

[2]https://www.theguardian.com/world/2023/oct/20/china-expanding-nuclear-arsenal-much-faster-than-predicted-us-report-says

[3]https://www.nytimes.com/2024/08/20/us/politics/biden-nuclear-china-russia.html

[4]https://www.iai.it/en/pubblicazioni/c05/thinking-unthinkable-consequences-trumps-decision-resume-nuclear-testing

[5][5][5]http://eng.chinamil.com.cn/2025xb/O_251451/16421207.html

[6]https://www.aljazeera.com/news/2025/11/3/china-denies-nuclear-testing-calls-on-us-to-maintain-moratorium

[7]https://www.washingtonpost.com/national-security/2025/11/06/trump-nuclear-test-russia-putin/

[8]https://www.cnbc.com/2025/10/30/russia-on-guard-after-trumps-call-to-resume-nuclear-weapons-testing.html

[9]https://www.un.org/en/un-chronicle/ending-nuclear-testing-advance-global-peace-and-security

[10]https://www.sipri.org/sites/default/files/2023-01/elements_of_a_planetary_emergency-environment_of_peace_part_1.pdf


لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال