استراتيجية إسرائيل الجديدة في الجنوب اللبناني لإنشاء منطقة عازلة 345

استراتيجية إسرائيل الجديدة في الجنوب اللبناني لإنشاء منطقة عازلة

ظل الهدف الاستراتيجي لإسرائيل في جنوب لبنان وعلى مدى عدة عقود ثابتًا من أجل إنشاء منطقة عازلة (عسكرية أو سياسية أو بالوكالة) بين مستوطناتها الشمالية والمقاومة المسلحة على الجانب الآخر من الحدود.

إن الذي تغير مع مرور الوقت هو فقط الأسلوب، فاليوم وبعد أشهر من تصاعد التوتر والمناورات الدبلوماسية، يبدو أن إسرائيل تروج لنسخة جديدة من صيغة قديمة؛ صيغة تُذكّر بسنوات احتلالها ولكن هذه المرة تحت غطاء دولي.


خريطة تاريخية: كيف عملت إسرائيل في الماضي

خلال احتلالها لجنوب لبنان من عام 1982 إلى عام 2000، اعتمدت إسرائيل بشكل كبير على هيكل مُصمّم مكّنها من الحفاظ على سيطرتها دون تكبّد التكلفة الكاملة للمواجهة اليومية.

كان هذا الهيكل يُسمى جيش جنوب لبنان؛ وهو ميليشيات مُسلّحة ومُموّلة ومُوجّهة من قِبل إسرائيل.وكانت مهمة جيش جنوب لبنان واضحة:

- السيطرة على المنطقة الواقعة بين نهر الليطاني والحدود المحتلة وإدارتها فعلياً نيابةً عن إسرائيل

- العمل كحاجز بين الجنود الإسرائيليين والمقاومة اللبنانية

- تحمل الخسائر والتكاليف السياسية لتجنيب إسرائيل ردة الفعل الداخلية الناجمة عن مقتل جنودها

بعبارة أخرى عهدت إسرائيل بأخطر مهامها إلى قوة لبنانية وكيلة. عندما هدمت المقاومة هذا الحاجز عام 2000، و انهار نظام الاحتلال الإسرائيلي برمته.

اليوم تبحث إسرائيل عن بديل له ويبدو أنها وجدت ثغرة لذلك.


تصريح لبناني فتح المجال!

عندما أعلن الرئيس اللبناني ورئيس الوزراء مؤخراً:

"لبنان يرحب بأي دولة مستعدة للإبقاء على قواتها أو جزء منها في الجنوب بعد اكتمال الانسحاب لمساعدة الجيش اللبناني"؛

يُفسح هذا النوع من الصياغة المجال السياسي أمام بقاء قوات أجنبية جديدة على الأراضي اللبنانية، في وقتٍ يشعر فيه المجتمع الدولي بالإحباط إزاء محدودية مهمة اليونيفيل الحالية.

يمنح هذا البيان دون قصد إسرائيل ذريعة قانونية وسياسية للترويج لنشر قوات دولية أكثر حزمًا في جنوب لبنان (وخاصة القوات الأمريكية والفرنسية) بصلاحيات أوسع، ومهام أسرع وقيود أقل بكثير.

لا يقتصر هذا الخطاب على مجرد طلب "المساعدة"، بل يضع لبنان على مسار خطير حيث سيُحدد أمن أكثر مناطق البلاد حساسيةً ليس من قِبل المؤسسات اللبنانية، بل من قِبل جيوش أجنبية.

يُعرّض هذا البيان لبنان للمخاطر نفسها التي حارب ضدها لعقود كالتدويل والتبعية والتآكل التدريجي للسيادة.

في الواقع، يفتح هذا البيان الباب أمام نسخة جديدة من جيش جنوب لبنان؛ إلا أنه هذه المرة ليس قوة لبنانية وكيلة تخدم المصالح الإسرائيلية، بل قوة دولية متمركزة على الأراضي اللبنانية مهمتها التدخل حيث تعجز الحكومة اللبنانية أو تمتنع عن التدخل.


هدف إسرائيل: قوة متعددة الجنسيات جديدة بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة

ما تسعى إليه إسرائيل الآن هو قوة عسكرية متعددة الجنسيات تعمل بموجب الفصل السابع، وبالتالي تتمتع بالسلطة القانونية لاستخدام القوة داخل الأراضي اللبنانية. في هذا النموذج، ستكون القوة الجديدة قادرة على:

- مداهمة المدن وتفتيش المنازل في القرى والبلدات اللبنانية

- فرض نزع السلاح بالقوة

- إنشاء منطقة عازلة بحكم الأمر الواقع منفصلة عن الحكومة اللبنانية.

- الاشتباك المباشر مع المقاومة وحماية إسرائيل من خطوط المواجهة.

وسيمنح كل هذا إسرائيل شيئًا بالغ الأهمية وهو الغطاء السياسي.

أي صراع مع هذه القوات الأخرى لن يُصوَّر على أنه حرب محلية مع أعداء إسرائيل، بل على أنه مواجهة مع الدول التي أرسلت تلك القوات.

إن وجود قوات أجنبية في جنوب لبنان يُقوِّض السيادة، ويُدويل المنطقة، ويُخضع المدنيين اللبنانيين لهيمنة قوى تُصاغ أجنداتها في عواصم أجنبية لا في بيروت.


إن استراتيجية إسرائيل هي نسخة معاد تدويرها من النموذج القديم للجيش اللبناني الجنوبي، وهذه المرة متعددة الجنسيات تمتص الخطر وتصبح حاجزاً ولكن تترك لبنان عرضة للسيطرة الخارجية ما لم يقاومها لبنان بقوة.



إبراهيم ماجد




لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال