لقد تميزت العلاقات بين الصين وروسيا بسرعة تطور عالية للغاية خلال العقد الماضي. وتعد زيادة التبادلات التجارية بين البلدين، والتوقيع على اتفاقيات مهمة في المجالات الاقتصادية والعسكرية والطاقة والفضاء وغيرها هي من المؤشرات المهمة على توسيع التعاون بين الصين وروسيا. كما أن المواقف السياسية للبلدين في العديد من القضايا السياسية الدولية والإقليمية المهمة كانت متسقة أو قريبة من بعضها البعض في السنوات الأخيرة، وتبنت موسكو وبكين المواقف نفسها في معارضة النظام الليبرالي الأمريكي والنظام الأحادي القطب.[1]
ومن السمات الأخرى للعلاقات بين الصين وروسيا هو تنسيق مواقفهما بشأن القضايا السياسية والدولية المهمة، وما يميز العلاقة بين هذين البلدين مع القوى العالمية الأخرى معارضة النظام الأمريكي الليبرالي، ومعارضة العقوبات الأحادية التي يفرضها الغرب، وخاصة الولايات المتحدة ضد بقية الدول، وقضية كوريا الشمالية وسورية وأفغانستان وبيلاروسيا وأمن الخليج الفارسي وإيران وقضايا دولية مهمة مثل المناخ ونزع السلاح وما إلى ذلك، حيث أن البلدين لديهما مواقف مشتركة. وفي حالات مثل الأزمة في أوكرانيا وبحر الصين الجنوبي فلدى البلدين تحفظات بشأن علاقاتهما مع الدول الأخرى ذات الصلة، وتم القيام بذلك بطريقة لا يضعف فيها التنسيق الشامل لمواقف الجانبين ككل. وفيما يتعلق بدور المنظمات الدولية، وخاصة مجلس الأمن الدولي، فقد كانت لكلا البلدين مواقف مشتركة ضد الإجراءات الأحادية للغرب، وخاصة الولايات المتحدة.[2]
المواقف المتشايهة للبلدين بشأن الشرق الأوسط
في السنوات الأخيرة، عارضت روسيا والصين بشكل مشترك في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة فرض عقوبات على حكومة الرئيس السوري بشار الأسد بسبب "استخدام الأسلحة الكيميائية". كما تمكنت الدولتان من إفشال الجهود الأمريكية لتمديد حظر الأسلحة على إيران في عام 2020. وفيما يتعلق بالحركات المؤيدة للديمقراطية، كانت كل من روسيا والصين مشككة ومتشائمة للغاية بشأن ثورات الربيع العربي في عام 2011. وعارضت هاتان الدولتان بشدة التدخل العسكري لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في ليبيا، والذي أدى إلى الإطاحة بمعمر القذافي. وفي يونيو/حزيران 2022، دافعت روسيا والصين عن إيران ضد انتقادات الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن بيان طهران حول البرنامج النووي للبلاد قبل عام 2003.
خلاف روسيا والصين في الشرق الأوسط
تريد الصين ترسيخ نفسها كقوة عالمية بلا منازع، بل إنها تعتزم تصميم وتنفيذ مشروع النظام العالمي القادم. ولهذا الغرض، تحتاج هذه الدولة إلى تطوير مبادرة الحزام والطريق. وتحتاج الصين إلى استقرار أكثر من حالة انعدام الأمن والصراع حتى تؤتي هذه الخطة الطموحة ثمارها. لذلك، لدى هذا البلد نظرة سلبية تجاه الجهات الفاعلة غير الحكومية في الشرق الأوسط. وفي الوقت نفسه فإن استراتيجية روسيا في المنطقة هي استراتيجية تقوم على التوازن المتعدد الأطراف، وهذه الدولة لا تخجل من استخدام الجهات الفاعلة المناهضة للنظام لإنشاء قواعد جيوسياسية.[3]
إيران والتوافق الروسي والصيني
بما أن الجمهورية الإسلامية الإيرانية دولة قوية ومؤثرة في معادلات منطقة الشرق الأوسط. وقد طورت بكين وموسكو علاقاتهما مع إيران في السنوات الأخيرة. ورغم أن إيران وروسيا والصين تنافست مع بعضها البعض على السيطرة على طرق التجارة الآسيوية في الماضي ولم تكن لديها علاقات كثيرة مع بعضها البعض، إلا أن تصرفات وسياسات واشنطن وتل أبيب في الشرق الأوسط غيرت هذه العلاقات. إن الدول الثلاث متحدة على أساس المصالح المشتركة لمتابعة سياسة خارجية مشتركة وهي دعم العالم المتعدد الأقطاب حتى لا تهيمن أمريكا على العالم. ويرى جميعهم أن الروابط الاقتصادية القوية هي أساس تحالفهم الجديد. وبالطبع بدأت هذه السياسة قبل أشهر من أحداث 7 أكتوبر والحرب بين إسرائيل وحماس، لكنها تعززت بعد ذلك.
وفي هذا السياق، وخلال اجتماع مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي عقد للتحقيق في الهجوم الصاروخي للنظام الصهيوني على القنصلية الإيرانية في دمشق، رأينا كيف عارض ممثلو روسيا والصين بقوة بقية أعضاء المجلس وقدموا الدعم لإيران.[4] كما أنه بعد الرد الإيراني والهجمات الصاروخية والطائرات المسيرة الإيرانية على الأراضي المحتلة، حافظت روسيا والصين على مواقفهما بخصوص حق إيران في الدفاع عن نفسها. ولذلك يبدو أن الكشف عن قوة الردع الإيرانية ومحور المقاومة سيعزز مواقف موسكو وبكين مع إيران. وهي مشكلة تمثل كابوسًا كبيرًا للولايات المتحدة وحلفائها، لأن المحور المتنامي المناهض للغرب يمكن أن يساعد هذه الدول على تجاوز العقوبات، وكسب الحروب وجلب الجهات الفاعلة الأخرى في الشرق الأوسط وحتى النظام الدولي سيكون معهم.[5]
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال