استراتيجية ترامب لتعزيز قوة أمريكا! 389

استراتيجية ترامب لتعزيز قوة أمريكا!

بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية الأخيرة رسم الرئيس ترامب مسارًا جديدًا للشعب الأمريكي وذلك تحت شعار استعادة قوة أمريكا وعودتها إلى الصدارة. بالنسبة لمن انتخبوه كانت هذه الشعارات تعني أن أمريكا ستولي اهتمامًا أكبر للشؤون الداخلية وتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية. وفي هذا السياق وظّف ترامب كل سلطاته وأدواته اللازمة لهذا البرنامج. واستمرارًا لهذا النهج، تأتي وثيقة الاستراتيجية الأمريكية الجديدة للعام المقبل في إطار اهتمام أمريكا المتزايد بالقضايا المتعلقة بالولايات المتحدة والقريبة منها وهو ما يُعرف بمبدأ ترامب.


مبدأ ترامب هو في الواقع مبدأ مونرو بعد تحديثه. كان مبدأ مونرو هو نهج السياسة الداخلية والخارجية للرئيس الأمريكي جيمس مونرو في ثمانينيات القرن التاسع عشر، حيث كان يُنظر إلى نصف الكرة الغربي على أنه الأولوية الرئيسية لأمريكا، بينما تُعتبر أمريكا اللاتينية منطقة نائية تابعة للولايات المتحدة. وكان أي استعراض للقوة أو عمل استعماري من جانب القوى العظمى آنذاك وهي القوى الأوروبية يُعد عملاً عدائياً ضد مصالح الولايات المتحدة. وبناءً على هذه الاستراتيجية منحت الولايات المتحدة نفسها الحق في التدخل واستعمار أمريكا اللاتينية، وتمكنت من تحديد مصالحها المهمة في نصف الكرة الغربي.


واليوم تندرج استراتيجية ترامب ضمن هذا الإطار أيضاً إذ يسعى لحماية نصف الكرة الغربي من منافسيه الرئيسيين، وخاصة الصين. وذلك لوجود مخاوف في الولايات المتحدة من أن الصين تسعى إلى زيادة الضغط على الولايات المتحدة، وأن التواجد في المناطق النائية التابعة لأمريكا قد يكون أحد مخططات بكين. ولمواجهة هذه المشكلة يتبنى نهج إدارة ترامب إجراءات عدائية ومواجهة ليس فقط ضد الصين بل أيضاً ضد جميع القوى التي تهدد المصالح الأمريكية في نصف الكرة الغربي. تُعدّ قناة بنما وغرينلاند وفنزويلا أهم المناطق في هذه المنطقة[1].


إنّ استراتيجية ترامب الجديدة المقترحة هي في الواقع استمرار للنهج الذي وعد به، وهو "أمريكا أولا"، وتقليص الالتزامات الخارجية للحكومة الأمريكية والسعي لتحسين أوضاع البلاد.


لكنّ القضية الأهم هي ضرورة حفاظ الولايات المتحدة على هيمنتها لتعزيز مكانتها ومن أهمّ عناصر الحفاظ على هذه الهيمنة هو السيطرة وفرض النفوذ على أمريكا اللاتينية.


يبدو أن أحد الأسباب الرئيسية للضغط على فنزويلا، وقبلها على بنما هو الاعتقاد السائد بأن أي دولة أخرى لا ينبغي لها أن تحتل منطقة نفوذ أمريكا. ووفقًا للعقيدة الجديدة، ترى الولايات المتحدة أن من حقها ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية بل وحتى عسكرية على دول أمريكا اللاتينية التي تربطها علاقات استراتيجية بقوى عظمى أخرى غير الولايات المتحدة، بهدف تقليص تعاونها مع تلك القوى العظمى وتفضيل التعاون مع الولايات المتحدة.


لقد نُفذ هذا الأمر بنجاح في حالة بنما ويجري تنفيذه الآن في حالة فنزويلا باستخدام التهديد العسكري. ولولا النهج العدواني الذي انتهجه ترامب في وثيقته الاستراتيجية الجديدة تجاه نصف الكرة الغربي، لربما فقدت الولايات المتحدة نفوذها في هذه المنطقة. من جهة أخرى، تُظهر هذه الوثيقة بوضوح أن النهج الاستعماري لا يزال حاضرًا في أذهان وخطط القوى العظمى، وأنها تستخدمه عند الضرورة.


لم تدخر الولايات المتحدة جهدًا يُذكر للحفاظ على تفوقها في نصف الكرة الغربي، وتسعى جاهدةً للحفاظ على تفوقها على منافسيها وحتى حلفائها. في هذا الإطار يمكن اعتبار وثيقة ترامب إطار يُعطي الأولوية لأمريكا أولاً، ثم يُراعي مصالحها الاستراتيجية، ثم مصالحها التكتيكية. وإذا ما اندرج حليف ضمن هذا الإطار فسيكون له مكان في تفاعلات أمريكا بناءً على احتياجاتها [2].


وعلى هذا الأساس واجهت هذه الوثيقة اعتراضات من الدول الأوروبية، لأنها لم تعد تمثل شريكاً استراتيجياً وتسعى الولايات المتحدة من خلالها إلى النأي بنفسها عن أوروبا وتقليل التكاليف عليها. في المقابل رحبت بها موسكو لأنها تمنح روسيا فرصة إدارة الحيز الحيوي الذي خلقته لنفسها، ومن خلال خلق تفاهم مشترك بين الجانبين الروسي والأمريكي، ستزيد من احتمالية التوصل إلى اتفاقيات تراعي مصالح الطرفين في مختلف المجالات، لا سيما الحرب في أوكرانيا حيث قد لا تُحترم الخطوط الحمراء لأوروبا وأوكرانيا بشكل كبير لأن الأولوية القصوى هي للولايات المتحدة.




محمد مهدي إسماعيلخانيان


[1] New U.S. National Security Strategy Prioritizes Western Hemisphere | Council on Foreign Relations

[2] Experts react: What Trump’s National Security Strategy means for US foreign policy - Atlantic Council




لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال