تشهد منطقة غرب آسيا هذه الفترة مستوى غير مسبوق من الصراعات والتوترات التي لم تشهدها منذ عقود. فقد مضى عام على عملية 7 أكتوبر 2023عندما بدأت العمليات الناجحة لحركة حماس في الأراضي المحتلة، و شنّت إسرائيل بعد ذلك هجوم على قطاع غزة ردًا على هذه الهزيمة مما أدى إلى تمدد رقعة هذه الصراعات إلى ما وراء الحدود الفلسطينية دون وجود علامات واضحة على تراجعها. يبدو أن المنطقة قد دخلت مرحلة جديدة من الصراع وفي ظل هذه الظروف أصبحت روسيا بوصفها لاعبًا دوليًا بارزًا وفاعلًا، تواجه تحديات كبيرة في محاولتها الحفاظ على توازنها ونفوذها في المنطقة. سعت روسيا على مدى سنوات، إلى الابتعاد عن توترات الشرق الأوسط والحفاظ على قنوات الاتصال مع جميع الأطراف المعنية. لكن الأحداث التي تلت 7 أكتوبر جعلت من الصعب على موسكو السير في هذا الطريق المظلم. [1]
تتماشى السياسة الخارجية الروسية في فترة رئاسة فلاديمير بوتين مع مفهوم "العالم متعدد الأقطاب"، كبديل للنظام العالمي الذي تقوده الولايات المتحدة. وبالتالي فإن تصاعد التوترات الإقليمية نتيجة للقيام بأعمال إسرائيلية يشكل مصدر قلق جاد بالنسبة لروسيا. فعلى عكس الدعم المستمر من الولايات المتحدة وحلفائها لإسرائيل، أدانت وزارة الخارجية الروسية دخول الجنود الإسرائيليين إلى لبنان وطالبتهم بسحب قواتهم. كما أدانت روسيا مسبقًا اغتيال الأمين العام لحزب الله اللبناني وصرحت أن إسرائيل تتحمل المسؤولية الكاملة عن تصعيد التوترات اللاحقة. ويعتقد المحللون أن محاولات إسرائيل تصعيد الصراعات خاصة مع إيران، سيجعل أهداف روسيا لن ترتكز فقط على المبادئ الأساسية للسياسة الخارجية لهذا البلد.[2]
وفي الوقت نفسه ومع تصاعد العدوان الإسرائيلي في المنطقة أبدت روسيا مخاوفها حيال الهجمات المحتملة من قبل إسرائيل على إيران ومع استمرار النزاعات وآثارها الكارثية في سورية ولبنان أصدرت روسيا مطلع أكتوبر تحذيرًا جادًا لمواطنيها في إسرائيل. وذلك في الوقت الذي طلبت فيه من 1.5 مليون من مواطنيها مغادرة الأراضي المحتلة قبل فوات الأوان، بعد الهجوم الجوي الأخير لإسرائيل بالقرب من قاعدة حميميم الروسية في سورية كما قامت روسيا بإجلاء مواطنيها من لبنان. في البداية كان يُعتقد أن روسيا تتبنى موقفًا محايدًا وأن لعبها لدور مزدوج مع إسرائيل هو وسيلة لحماية مواطنيها لكن اليوم يتضح أن موسكو ترغب في لعب دور فعال في السيطرة على التوترات الحالية.[3]
منذ فترة صرح سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي خلال اجتماعه برؤساء الوفود الدبلوماسية من الدول العربية الوازنة في موسكو بشأن التطورات في منطقة غرب آسيا، بأن وزارة الخارجية الروسية ترى أن الولايات المتحدة تتحمل المسؤولية الأكبر ليس فقط في هذه المرحلة الزمنية المحددة، بل أيضًا تجاه التدهور العام الذي نشهده اليوم. في الواقع لقد مضى نحو عام عندما منعت الولايات المتحدة قبول قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي يتطلب وقف الأعمال القتالية في قطاع غزة وضمان الوصول الدعم الإنساني إلى سكانه.[4]
وعلاوة على ذلك أبدى مؤخرًا جوزيف بوريل، الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، قلقه من أنه في حال استمرار تصعيد النزاعات في الشرق الأوسط قد يدخل لاعبون جدد بما في ذلك روسيا في الصراع. بالإضافة إلى ما ذُكر تلعب روسيا أيضًا دورًا مؤثرًا في التوازن العسكري في المنطقة، حيث قام الكرملين بإرسال أسلحة إلى الدول والجماعات المسلحة التي تقاتل ضد إسرائيل، مما يمثل إشارة مهمة للولايات المتحدة وإسرائيل ويعني أن الولايات المتحدة وإسرائيل ستواجهان معضلة أمنية جدية.[5]
خلاصة القول، إن تحركات روسيا في غرب آسيا بعد تطورات 7 أكتوبر والتصريحات التي أدلى بها لافروف في اجتماع رؤساء الوفود من الدول العربية الوازنة في موسكو تشير إلى أن موسكو تسعى حاليًا لتولي دور أوسع في المنطقة، خاصة أن الجهود الرامية إلى خلق توازن تسليحي تعكس أهمية نتائج التوترات الحالية بالنسبة للكرملين، وقد يدفع ذلك روسيا إلى الانغماس بشكل أكبر في النزاعات الإقليمية مما سيكون له تأثير واضح بالتأكيد على سير الأحداث في غرب آسيا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال