كشفت أزمة الانقسامات الداخلية في الكيان المؤقت، والتي طفت الى السطح مع تولي حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية المتطرفة الحكم أواخر العام الماضي، وانطلاق الاحتجاجات ضدها وضد مخططات على مختلف الصعد ولاسيما القضاء، أنّ هذا الكيان مؤلف من جماعات لكل منها توجهات وآراء مختلفة لا يمكن لها أن تنصهر. وكل مجموعة، بأيديولوجيتها الخاصة، تفترض انها تتفوق على الأخرى، وأنه يحق لها فرض شروطها على طبيعة حياة المستوطنين في الكيان، ما يولّد صراعًا يصعب إخماده.
يعتبر الصراع بين فئة الحريدية، أي التيار الديني المتشدّد، وبين العلمانيين هو الأكثر تأثيرًا على نسيج الحياة الاستيطانية في الكيان، وهو الذي يغذي التوترات في الشارع اليهودي. فإنّ الحريديم يريدون فرض الإجراءات الدينية على كلّ اليهود، وأن يستفيدوا من كلّ عائدات هذا الكيان وخدماته دون أن يقدموا له واجباتهم، مما يجعل المكونات اليهودية الأخرى تنظر الى هذه الفئة على أنهم عبء فقط، ويهددون مستقبل وهوية الكيان الإسرائيلي.
أجرت مؤسسة "الكونغرس الإسرائيلي"، وهي مشروع مشترك بين جامعة "بار إيلان" العبرية ومؤسسة "مينومادين"، استطلاعًا للرأي يبحث في الصدع الديني والفجوة والتوتر المستمر بين التوجهات اليهودية المتشددة والتوجهات "الديمقراطية" بين المستوطنين في الكيان المؤقت.
كشفت استطلاعات الرأي التي جاءت نتائجها سلبية في العديد من القضايا عن تصدّع البنية الداخلية لمكونات هذا الكيان، وانقسامه الى مجموعات تشعر كلّ واحدة منها بالتهديد مقابل الأخرى.
بيّنت تلك النتائج أنّ 44% من العلمانيين في الكيان لا يشعرون بالراحة في علاقاتهم مع المتدينين مقارنة بـ 19% من الحريديم المتطرفين. وأفاد 42% من المستطلعة آراؤهم (المتدينين والعلمانيين) أنهم يشعرون أن مدينة إقامتهم أصبحت أكثر تديناً في السنوات الأخيرة، مقارنة بـ 9% فقط يشعرون أن المدينة قد مرت بعملية معاكسة.
هذا الاختلاف والتهديد يزيد لدى المستوطنين – الى جانب التهديدات الخارجية – الرغبة في الهجرة المعاكسة. اذ كشف الاستطلاع أنّ 35% من اليهود العلمانيين فكروا أو يفكرون في الانتقال، بسبب التوتر الديني مقارنة ب 16% من الحريديم. وبشكل عام، فكر حوالي 25% من المستوطنين في الانتقال أو يفكرون في الانتقال بسبب التوترات الدينية.
وفقًا للمستطلعة آراؤهم، فإن الخلافات الرئيسية التي تولّد توترًا وصراعًا دينيًا في مختلف المستوطنات والمدن الفلسطينية المحتلّة هي: فتح الأعمال التجارية يوم السبت بنسبة 50%، والمواصلات العامة يوم السبت (46%)، اذ يحاول الحريديم فرض طقوسهم الدينية يوم السبت، وهو يوم العطلة و"العبادة" بالنسبة لهم. بالإضافة الى خلافات أخرى حول تخصيص المباني العامة (43%)، وتوزيع ميزانيات البلديات ( (41%.
وعندما سئل المستوطنون عن المكان الذي يواجهون فيه التوتر الديني بشكل مباشر، أجاب 31% أنه بوسائل النقل العام، و31% أجابوا بالقرب من المعابد والمؤسسات الدينية، و28% أجابوا في الأماكن التي تقدم فيها الخدمات البلدية، 27% أجابوا بأنهم يشعرون بالتوتر الديني في الأحياء وفي المراكز التجارية.
تظهر النتائج أن 92% من اليهود العلمانيين يعتقدون أن "السلطة المحلية" يجب أن توفر وسائل النقل العام يوم السبت للسكان الذين لا يحترمون السبت، أما بين الجمهور الحريدي فإن 11% فقط يوافقون على ذلك. فيما طالب 96% من الحريديم المتشددين بتشغيل مسبح البلدية وفقاً لقواعد المتدينين، أي تشغيل بفصل فترات الرجال عن النساء، الا أنّ أغلبية العلمانيين لا يوافقون على هذا الطرح (71%). تعزّز هذه النتائج الانقسام في الشارع اليهودي.
في سؤال الاستطلاع عن استعداد الطرفين للتفاهم والتوصل الى حلّ وسط، رأى 59% من الحريديم أنّ التفاهم يعني "أنهم يتنازلون بالفعل عن القضية الدينية". كذلك لم ير 75% من العلمانيين أفقًا للحل الوسط.
علّق مدير "الكونغرس الإسرائيلي"، جلعاد وينر على هذه النتائج بالقول إنّ "توضح نتائج الاستطلاع أن الصراع المضطرب القائم على المستوى الوطني يصل أيضاً إلى المستوى المجتمعي الحضري ويؤثر على نسيج حياة السكان".
المصدر: الخنادق
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال