فعّلت أمريكا منذ انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية كل أدواتها لهزيمة هذه الثورة. فالانقلاب والصراع العسكري والحصار والعقوبات والفتن والفوضى وأعمال الشغب ومحاولات الثورة الملونة كلها أمثلة ملموسة لحرب أمريكا الشاملة ضد الشعب الإيراني.
يتجاهل البعض كل أفعال واشنطن المناهضة لإيران، ويحددون أساس عداء أمريكا لإيران في تاريخ 4 نوفمبر 1979 ويستشهدون بالاستيلاء على وكر التجسس كذريعة (السفارة الامريكية). بينما عانى الشعب الإيراني من هذا العداء قبل عام 1979.
فبعد تأميم قطاع النفط وخروج هذه الثروة الوطنية من أيدي اللصوص البريطانيين، لجأ رئيس الوزراء محمد مصدق إلى أمريكا من أجل الحفاظ على إنجازه ومنع لندن من استعادة السيطرة على النفط الإيراني.
لكن أمريكا ردت على ثقة مصدق بانقلاب في 19 أغسطس 1953. انقلاب نتج عنه عزل مصدق من رئاسة الوزراء ونفيه إلى قرية أحمد آباد، وتعرض النفط الإيراني المؤمم مرة أخرى لنهب أشد مما كان عليه خلال الحكم البريطاني.
حيث هرع البريطانيون إلى الولايات المتحدة الأمريكية من أجل التخلص من خطر مصدق على مصالحها. فأرسلت الولايات المتحدة ضابط المخابرات كيرميت روزفلت، وهو حفيد الرئيس الأمريكي تيودور روزفلت، لقيادة عملية الانقلاب على مصدق التي سميت بالعملية أجاكس Operation Ajax.
دخل روزفلت إيران سرا تحت اسم مستعار (وات بريدج)، وعندما وصل روزفلت إلى طهران كان أول مهمة قام بها هي مقابلة الشاه لمناقشة تفاصيل العملية أجاكس. استخدمت الـ CIA أسلوب الرشوة لشراء ولاءات معلقي الأخبار، والصحفيين، ورجال الدين والسياسيين، ورجال العسكر.
وقدمت الـ CIA لهم عشرات الآلاف من الدولارات شهرياً، لدرجة أن بعض التقديرات تقول أن إجمال ما تم إنفاقه من أجل إسقاط مصدق يصل إلى 19 مليون دولار. وفي إحدى لقاءات روزفلت مع الشاه للتخطيط للانقلاب، أخبره روزفلت بأنه يملك تحت يديه “العديد من المتخصصين والمنظمين لتوزيع المنشورات، أو لتنظيم العصابات، أو لتتبع المعارضة، قل ما شئت: أنا أملكه”.
ثم شرح للشاه خطة الانقلاب فقال له: “تشمل العملية أجاكس أربعة خطوط من الهجوم. أولًا: إدارة حملة إعلامية منظمة وبروباجندا متواصلة ضد مصدق في المساجد والصحافة والشوارع لتحجيم شعبية مصدق. ثانيا: ستتحكم العصابات في الشوارع لإثارة الشغب والاضطرابات. ثالثاً: سيسلم الضباط العسكريون البيانات الملكية إلى مصدق لإزاحته من السلطة. رابعا: توفير بديل لمصدق وهو الجنرال زاهدي الذي سيرقيه الشاه إلى مرتبة رئيس الوزراء” وكل ذلك حدث.
حيث سيطرت العصابات المأجورة من قبل المخابرات الأمريكية على كل الميادين الرئيسية في طهران، وحرقت المؤسسات الحكومية ومقرات الشرطة وحررت الضباط الانقلابيين المقبوض عليه في المحاولة الأولى للانقلاب. وانضم إلى العصابات المواطنين الساخطين على مصدق، بالإضافة إلى مؤيدينه السابقين الذين رفضوا سياساته مؤخرًا كنتيجة للبروباجندا الأمريكية ضد مصدق.
قصة انقلاب 19 أغسطس هي وثيقة واضحة تثبت أن أفعال أمريكا لم تستهدف فقط مجموعة معينة من الشعب الإيراني بل سعت إلى تدمير موارد الشعب الإيراني بأكملها.
وفي السياق، اعتبر قائد الثورة الإسلامية، في كلمة عشية يوم 4 نوفمبر، اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي (الاستيلاء على السفارة الأمريكية في طهران)، اعتبر 4 نوفمبر تجسيداً لشرور أمريكا وهشاشتها وإمكانية هزيمتها.
وقال سماحته: في الحرب المركبة خلال الأسابيع القليلة الماضية، استخدمت الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني وبعض القوى الخبيثة في أوروبا وبعض الجماعات كل أدواتهم لمهاجمة الشعب الإيراني، لكن الشعب وجه صفعة للأعداء وأفشلهم.
ووصف قائد الثورة إصرار الأمريكيين على “بدء العداء بين الشعب الإيراني والولايات المتحدة عند الاستيلاء على وكر التجسس” بالكذبة الكبيرة، وأضاف: بدأ هذا العداء في 19أغسطس 1953، عندما أطاحت الولايات المتحدة الأمريكية بمساعدة البريطانيين، بحكومة مصدق الوطنية في انقلاب مخزي.
ووصف سماحته، مصدق بأنه متفائل ويثق بأمريكا، وقال، لم يكن مصدق حجة الإسلام، ولم يدعي الإسلاموية، جرمه الوحيد أنه قال إن نفط إيران يجب أن يكون في أيدي الشعب الإيراني وليس للبريطانيين، لكن الأمريكيين لم يتحملوا هذا الشخص بسبب مصالحهم ، ولم يفعلوا كما توقع مصدق المساعدة منهم، بل طعنوه في ظهره وأطاحوا به بإنفاق المال وبمساعدة بعض الخونة والبلطجية.
ووصف آية الله الخامنئي تصريحات السياسيين الأمريكيين هذه الأيام عن دعم الشعب الإيراني بأنها ذروة الوقاحة والنفاق وخاطبهم بسؤال: ما الذي كان يمكن أن تفعلوه ضد الشعب الإيراني في هذه العقود الأربعة على انتصار الثورة ولم تفعلوه؟ أيّ شيء لم يفعلوه كان لأنهم لم يستطيعوا ذلك، ولأنه لم يكن ذا جدوى، فلو استطاعوا، لَفعلوا. لو كان مُجدياً لهم، و لو لم يكونوا خائفين من الشباب الإيرانيين، لَشنوا حرباً مباشرة كما في العراق. لكنهم خافوا.
واستعرض قائد الثورة، جرائم ومؤامرات أمريكا بعد انتصار الثورة، وأشار إلى دعم واشنطن للجماعات الانفصالية والعقوبات ضد الشعب الإيراني منذ العام الأول لانتصار الثورة وفرض أقسى العقوبات في التاريخ في السنوات الأخيرة، ودعم الفوضى والفتنة في إيران، وقال: في عام 2009 وبينما كان أوباما يكتب لنا رسالة صداقة، أعلن الأمريكيون صراحة دعمهم للفتنة لربما يتمكنوا من تدمير الجمهورية الإسلامية بهذه الطريقة.
ما يحدث في إيران اليوم يكاد يكون مشابهاً لتنفيذ الخطة الأمريكية عام 1953 وبنفس الطريقة بالضبط ولكن بأدوات معاصرة. دعاية إعلامية مستمرة ومكثفة ضد نظام الجمهورية الإسلامية وتفعيل جميع وسائل الإعلام التقليدية والحديثة لتشويه صورة هذا النظام واظهار صورة هذا البلد كسجن كبير وفيه أشخاص يتوقون إلى الحرية.
حاولت الإدارة الأمريكية مؤخراً الانقلاب في إيران أو إسقاط نظامها، وإحداث شيء شبيه لعملية أجاكس التي حدثت ضد حكومة مصدق. ولكنها فشلت بكل تأكيد لأنها أدركت أن النظام الإسلامي اليوم في إيران ليس مثل حكومة مصدق. لقد تغيرت الظروف وخرجت إيران من هيمنة الغرب منذ عدة عقود وهي الآن تتخذ القرارات بشكل مستقل تماما.
لذلك فإن الهدف النهائي لأجهزة المخابرات الأمريكية والبريطانية هو معاقبة إيران على امتلاك التقنية النووية والقدرات العسكرية وتحقيقها الاكتفاء الذاتي الصناعي والزراعي وابرامها الاتفاقيات الاستراتيجية مع روسيا والصين، وزعزعة استقرارها وإضعافها وحصرها في التعامل مع أزماتها داخل حدودها لمنعها من الخروج إلى المناطق المحيطة بها وحذفها من المعادلات الإقليمية والدولية.
ربما تكون الإدارة الأمريكية قد عولت على خطة نجاح زعزعة استقرار إيران والتلاعب بحدود الجمهورية الإسلامية، لكنها نسيت عواقب الفشل، مما لا شك فيه أن إيران أفشلت الخطط الشريرة التي تحاك ضدها وسيكون بعد ذلك عواقب وخيمة على السياسة الأمريكية، فبعد اليوم ستتحرك إيران بشكل أقوى نحو ترسيخ ثقلها الاستراتيجي ومكانتها في المعادلات الإقليمية.
المصادر:
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال