إن تاريخ العلاقات بين اسكتلندا وإمبراطورية بريطانيا كان مليئًا بالتعقيدات المتمثلة في الاتحاد و التعاون إلى جانب بعض التحديلات. في حين كانت اسكتلندا جزءًا لا يتجزأ من تطوير وإدارة إمبراطورية بريطانيا يشعر العديد من الاسكتلنديين بإحساس عميق بالفقدان وعدم الرضا الذي يعود جذوره إلى عدم المساواة الاقتصادية والسياسية والقمع الثقافي. إن هذا الإدراك للظلم التاريخي والمعاصر قد تم استخدامه بمهارة من قبل الحكومة الاسكتلندية للدفع بأجندتها الوطنية المتمثلة في السعي للحصول على مزيد من الحكم الذاتي وحتى الاستقلال الكامل عن بريطانيا. مع تعزيز المشاعر الوطنية تسعى اسكتلندا لتعريف نفسها ككيان مستقل عن الحكومة المركزية البريطانية، وجعل مصالحها الأولوية الرئيسية في مختلف التعاملات والمستويات.(1)
يمكن البحث عن جذور عدم رضا اسكتلندا في قانون الاتحاد لعام 1707، الذي وحّد رسميًا اسكتلندا وإنجلترا تحت إطار سياسي واحد. بينما كان لهذا الاتحاد مزايا اقتصادية وساهم في تمكين اسكتلندا من المشاركة في ثروات إمبراطورية بريطانيا، أدى ذلك في الوقت نفسه إلى إضعاف السيادة السياسية لاسكتلندا. اعتبر العديد من الاسكتلنديين هذا الاتحاد اتفاقًا قسريًا كان أكثر فائدة لمصالح إنجلترا، وأدى إلى تقليص استقلال اسكتلندا. لا يزال هذا الإحساس بعدم الرضا التاريخي يشكل نقطة تجمع للنزعة الوطنية الحديثة في اسكتلندا.
لقد عززت مظاهر عدم المساواة الاقتصادية التي ظهرت في فترة ما بعد التصنيع شعور عدم الرضا في اسكتلندا. بينما لعبت اسكتلندا دورًا مهمًا في تطوير إمبراطورية بريطانيا، وبالأخص في صناعات مثل بناء السفن والهندسة و أدى تراجع هذه القطاعات في القرن العشرين إلى ضغوط اقتصادية وفقدان العديد من الوظائف في اسكتلندا. يجادل العديد من الوطنيين بأن سياسات وستمنستر لم تحمِ صناعات اسكتلندا بل أعطت الأولوية لمدينة لندن وجنوب شرق إنجلترا. وقد عزز هذا الإدراك بالإهمال الاقتصادي المشاعر السلبية وأكد الفكرة القائلة بأن اسكتلندا كانت تعاني باستمرار تحت حكم بريطانيا.
كما لعب القمع الثقافي دورًا في الشكاوى الاسكتلندية. فقد أحدث الحظر التاريخي للغة الغاليلية والتقاليد الاسكتلندية، خاصة بعد انتفاضات اليعاقبة تأثيرًا دائمًا على هويتهم الوطنية. على الرغم من أن القرنين التاسع عشر والعشرين شهدا محاولات لإحياء الثقافة الاسكتلندية، فإن العديد من الوطنيين يعتقدون أن نفوذ بريطانيا قد أضعف الهوية المتميزة لاسكتلندا.
حزب إسكتلندا الوطني (SNP)، الذي تسلّم زمام السياسة الاسكتلندية في السنوات الأخيرة قد استخدم بنجاح هذه الشكاوى التاريخية والمعاصرة لدعم السعي نحو مزيد من الحكم الذاتي. أظهر استفتاء الاستقلال في عام 2014 على الرغم من عدم نجاحه قوة المشاعر الوطنية حيث صوت 45% من الاسكتلنديين للخروج من بريطانيا. منذ ذلك الحين استمر الحزب في تصوير الحكومة المركزية ككيان حكومي بعيد وغير مسؤول لا يُعطي الأولوية لمصالح اسكتلندا.
إحدى الاستراتيجيات الرئيسية لحكومة اسكتلندا كانت عبر تسليط الضوء على أسكتلندا كمناهضة للسياسات الأوسع لبريطانيا، وخصوصًا فيما يتعلق بقضايا مثل البريكست. على سبيل المثال صوتت الغالبية العظمى من الاسكتلنديين للبقاء في الاتحاد الأوروبي، ولكنهم أجبروا على الخروج نظرًا لأن نتيجة الاستفتاء في بريطانيا ككل كانت لصالح الخروج. وقد عزز هذا الأمر الفكرة القائلة بأن مصالح اسكتلندا غالباً ما يتم تجاهلها من قبل الناخبين الإنجليز مما يزيد من تراكم المشاعر الوطنية.
تستخدم حكومة اسكتلندا البريكست كحجة للاستقلال، وتصرّ على أن اسكتلندا يجب أن تتمتع بالقدرة على تحديد علاقاتها الدولية. بالإضافة إلى ذلك يسعى حزب إسكتلندا الوطني (SNP) لتطوير دور شبه مستقل في الشؤون الدولية، وغالبًا ما يتفاعل بشكل منفصل عن وستمنستر مع الشركاء الأوروبيين والعالميين. يشمل ذلك قضايا تتعلق بالتجارة، والسياسات المناخية وحتى التفاعلات الدبلوماسية. من خلال ذلك تعزز حكومة اسكتلندا الانطباع بأنها تعمل حاليًا ككيان مستقل وتسعى تدريجياً لتقويض سلطة الحكومة المركزية البريطانية.
لذا فإن الاستخدام الاستراتيجي لحكومة اسكتلندا من عدم الرضا التاريخي والهوية الوطنية يمثل نهجًا معقدًا لتحقيق مزيد من الحكم الذاتي وربما الاستقلال. يُظهر هذا النموذج كيف يمكن للأحداث التاريخية والهوية الثقافية أن تُستَخدم بفعالية لتحقيق أهداف سياسية. إن نجاح هذا النهج يوفر نموذجًا للمناطق الأخرى داخل بريطانيا لتقديم مصالحها وتحدي السلطة المركزية. يمكن لمناطق أخرى مثل ويلز من خلال اعتماد استراتيجيات مشابهة، الضغط على الهيكل التقليدي للحكومة البريطانية لتطوير إجراءاتها نحو مزيد من الحكم الذاتي أو ربما الانفصال.
يمكن أن يؤدي هذا الاتجاه نحو تمكين المناطق والتأكيد على الهوية في النهاية إلى إعادة هيكلة أساسية داخل بريطانيا. على سبيل المثال تُظهر اسكتلندا كيف يمكن أن تتحول الشكاوى التاريخية إلى قوة سياسية، مما قد يُحدث تأثير الدومينو الذي يغير المشهد السياسي في بريطانيا.
لذلك قد نشهد في المستقبل بريطانيا مختلفة تمامًا، مع توزيع السلطات بشكل أكثر توازنًا بين الأجزاء المكونة لها أو حتى ظهور العديد من الحكومات أو المناطق المستقلة ليس بالأمر المستبعد. كما أن النموذج الاسكتلندي في استخدام السرد التاريخي والهوية الثقافية لتحقيق مزايا سياسية قد يعمل كحافز لهذا التغيير وله تأثيرات طويلة الأمد ودائمة على تاريخ بريطانيا.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال