بعد الثورة الصناعية وهيمنة النظام الرأسمالي على جميع جوانب الحياة في العالم، تحولت الصناعة والمصانع إلى وسائل انتاج وبشكل عام أصبحت مصدر القوة الاقتصادية والسياسية للبلدان التي تمتلكها. في القرون الأولى من العصر الحديث، كانت المادة اللازمة لتدوير عجلة هذه الصناعة غالباً هي الفحم، ولكن بعد اكتشاف النفط والغاز الطبيعي تغيرت المعادلات والآن مر أكثر من قرن على استكشاف و استخراج وتسويق هذه النعمة التي وهبها الله، وهي التي تضع العديد من المعادلات في عالم السياسة.
إن أهمية الوصول إلى مصادر الطاقة أدت إلى دخول العديد من الدول في هذا المجال وبذل قصارى جهدها حتى لا تُحرم من فوائد اكتشاف مصادر طاقة جديدة، لذلك نحن نشهد توسعًا في أنشطة الحفر واكتشاف مصادر الطاقة في مناطق مختلفة من العالم. أحد هذه المناطق هي البحر الأبيض المتوسط. في هذا السياق من الأفضل إلقاء نظرة على أهمية البحر الأبيض المتوسط في سوق الطاقة حيث يعد البحر الأبيض المتوسط من أكبر البحار في العالم و تشترك القارات الثلاث في أوروبا وإفريقيا وآسيا على شواطئه. هذا البحر العظيم بصرف النظر عن اعتباره طريقًا سريعًا للاتصالات البحرية، لديه موارد طاقة غنية وخاصة الغاز وقد زادت هذه القضية أهميته مائة ضعف. تقع أغنى موارد غاز البحر الأبيض المتوسط في الجزء الشرقي منه ، وهي الحدود المائية المشتركة بين تركيا وسورية ولبنان وفلسطين المحتلة وغزة ومصر وقبرص. تشير الأبحاث إلى اكتشاف حوالي 60 تريليون قدم مكعب من الغاز في حوض البحر الأبيض المتوسط. وتؤكد المسوحات الجيولوجية للمؤسسات الأمريكية أن هذه المنطقة المائية تحتوي على حوالي 122 تريليون قدم مكعب من الغاز و 1.7 تريليون برميل من النفط الخام. إن كمية الغاز في أعماق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن تلبي استهلاك الغاز في الاتحاد الأوروبي بأكمله لمدة 76 عامًا.
أظهر تقرير نشرته شبكة الميادين مؤخرًا أن شركة آنسز اكتشفت مؤخرًا 5 آلاف كيلومتر مربع إجمالاً بطول وعرض وعمق البحر الأبيض المتوسط في البيئة الجغرافية لسورية ورصدت 14 مربعاً نفطياً. تم تحديد الحقول الموجودة فيه. توفر إنسز هذه المعلومات للشركة النرويجية المسماة جيتكس و من خلال تحليل البيانات وفق جداول وأرقام محددة وعلمية أعلنت شركة جيتكس عن قدرة 4 حقول نفطية فقط تمتد من حدود لبنان إلى بانياس بمقدار يعادل احتياطي نفط الكويت، استمراراً لما جاء في هذا التقرير يذكر أنه كلما انتقلنا من جنوب المنطقة إلى شمالها يمكن رؤية المزيد من احتياطيات النفط والغاز، لأن البلدين لبنان وسورية لديهما من 1 إلى 10 احتياطيات من النفط والغاز أكثر من النظام الصهيوني في قلب البحر الأبيض المتوسط . هذا على الرغم من حقيقة أن النظام الصهيوني قد استفاد في السنوات الأخيرة كثيرًا من موارد الطاقة المدفونة في البحر الأبيض المتوسط لأن الوضع المتأزم في لبنان وسورية خلق فرصة كبيرة لهذا النظام لاستغلال ثروة النفط والغاز في البحر من خلال التعدي على المياه الإقليمية اللبنانية حيث حاول الإسرائيليون سرقة غاز هذا البلد كما منعوا استخراج الغاز من مياه لبنان وسورية وغزة، لإنه قد يحسن الظروف المعيشية لأهالي هذه المناطق ومن أجل ترسيخ أنفسهم كواحد من أقطاب الطاقة في العالم ، لكن في ظل قوة الردع لحزب الله تمكن لبنان من دفع تل أبيب بعيدًا عن حدوده البحرية واستعادة ثروته النفطية والغازية. من ناحية أخرى في ظل تطور العلاقات بين بيروت ودمشق ليوقعون اتفاقية جديدة تتماشى مع المصالح الاقتصادية للجانبين وفي ظل العلاقات الثنائية سيتم تحديد الحدود البحرية للبنان وسورية و على هذا النحو سيكون تواجد الصهاينة وحلفاؤهم في البحر المتوسط أكثر ضعفاً.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال