الأربعين الحسيني؛ عرض للتعايش الأخوي وفرصة لرفع المكانة الجيوسياسية 25

الأربعين الحسيني؛ عرض للتعايش الأخوي وفرصة لرفع المكانة الجيوسياسية

اليوم، في مجال الجغرافيا الثقافية، إن التعامل مع الحركات والاجتماعات الكبيرة والمؤثرة كأحد مظاهر المكانة الجيوسياسية، أصبح یحظی بأهمية دراسية كبيرة. وعند الشيعة، عندما يجري الحديث عن زيارة كربلاء، لا يتوقف الأمرعند قضية فردية أو روحية بحتًا، ولکن بسبب حسیاسیة الأمر من منظور السياسة- الهوية في واقعة عاشوراء، تصبح المهام الاجتماعية-السياسية لزیارة کربلاء أكثر بروزًا. لذلك، تم التأكيد على زيارة الأربعين أكثر من الأيام الأخرى. والأربعين، من وجهة النظر هذه، ليست مجرد طقس ديني لا يخرج عن إطار الدين، بدلاً من ذلك، يجب اعتباره طقسًا عابرًا للحدود تكون قدراته المكشوفة والمخفية فعالة في تعزيز مكانة الشيعة الجيوسياسية في بداية الألفية الثالثة.

ولجمهورية إيران الإسلامية أكبر عدد من الشيعة بين دول منطقة غرب آسيا. من هذا المنظور، تكون مسيرة الأربعين فعالة في رفع مستوى مكانة إيران الجيوسياسية وقوتها الخارجية. واغتنام فرصة إقامة مسيرة الأربعين كحدث مهم ذي أبعاد دينية وسياسية، من شأنه أن يظل حلاً دبلوماسياً لتحقيق أهداف الجمهورية الإسلامية، بما في ذلك تعزيز العلاقات مع الجيران وخلق الوحدة والتفاهم بين المسلمين. كما لعبت صداقة والتحام جماهير الناس من دول مختلفة وخاصة من إيران والعراق، دورًا مهمًا في تطوير هذه الأهداف وتحولت إلى عنصر من عناصر تقوية المصالح الوطنية، حيث تجلى أبرز فائدة لمسيرة الأربعين في تعزيز العلاقات الرسمية بين إيران والعراق. وهاتان الدولتان لديهما قواسم مشتركة مختلفة في التعاون، ووحدة الشعبين في إقامة مسيرة الأربعين الحسيني (ع) تكون بمثابة نقطة ارتكاز لهما. وفي كل عام، يُظهر هذا الاحتفال وحدة وصداقة الشعبين الإيراني والعراق أكثر فأكثر  ويعرض مظاهر من التعايش الأخوي.

ومما لا شك فيه أن اغتنام فرصة إقامة مسيرة الأربعين في الساحة الدبلوماسية وتوقيع وثائق التعاون في هذا المجال، لقد ميزالعلاقات بين البلدين عن العلاقات الأخرى وضاعف أهميتها بینهما. واستمرار هذه العملية سوف يؤمن مصالح طهران وبغداد ويحيد آمال الأعداء في الإخلال بتوازن العلاقات بين البلدين.

وهذا في مجال الدبلوماسية العامة، قدم الأربعين فرصة فريدة لجمهورية إيران الإسلامية؛ مما يعني أن تطور الاتصالات والمعلومات في المجتمع الدولي وظهور السياسات الدولية أفضى إلى ظهور دبلوماسية جديدة تتجنب الطرق التقليدية وتستند إلى قضايا مثل الشفافية والانفتاح والتعاون مع الجهات الفاعلة في المجتمع المدني  والعابرة للوطن في المجال العام. والدبلوماسية العامة تخاطب الرأي العام في العالم ولديها القدرة على تحريره، ولو مؤقتًا، من الهيمنة السياسية والإعلام للقوى العظمى.

وفي ظل الوضع الذي تواجه فيه الجمهورية الإسلامية الإيرانية مؤامرة “الإقصاء والتهميش” من قبل الأعداء والمعاناة من الضغوط السياسية والعقوبات الاقتصادية والحرب النفسية، فإن الدبلوماسية العامة هي أفضل وسيلة للتغلب على هذه الضغوط وترسيخ المكانة لدى الرأي العام.

وعلى الرغم من نشر دعايات وتحاليل منحازة حول إساءة استخدام إيران السياسيي لمراسيم الأربعين، إلا أن الحقيقة هي أنه لا يمكن تجاهل دورالجمهورية الإسلامية الريادي في طليعة جبهة المقاومة أثناء توافد الزائرين لإقامة أربعينية الحسين(ع).

وإيران، على سبيل المثال، تدعو للدفاع عن القضية الفلسطينية وتعارض تواجد ونفوذ الأجانب في المنطقة. ونتيجة لذلك، هذا الكم الهائل من الحشود والمواكب المزدجمة لزوار الأربعين، بينما يرفع شعارات نهضة كربلاء؛ مثل شعار الكرامة و مكافحة الظلم، يسلط الضوء على الدور المصيري لإيران ومثلها الثورية مهما حاولنا الحد من تأثيره.

وبالطبع، تجدر الإشارة إلى أن العامل الرئيسي في ظهور هذا الاحتفال المليوني يكمن في حب جماهير الشعب تجاه الحسين(ع) في حين أن العراق يستضيف الزوار بحفاوة. ولكن في الوقت نفسه، فإن وجهة نظر الجمهورية الإسلامية وجهودها هي أنه، مثل ما يُعقد مؤتمر الحج، ينبغي الانتفاع بالقدرات الروحية لمراسيم الأربعين بشكل أحسن.

وتعزيز وحدة المسلمين، ومحاربة هيمنة الاستكبارومؤامرات الصهيونية، ومواجهة التيارات التكفيرية، واستعادة هوية وكرامة وسلطة المسلمين و … تلك من الإنجازات القيمة التي أتت من قلب ملحمة الأربعين وتضع حاجزاً قوياً ضد ممارسات العدو ومؤامراته الملونة.

ومثل هذه الأمور هي في الواقع استمرار لخطاب الثورة الإسلامية الذي أوجد موجة جديدة في المنطقة والعالم، وأُعيد إنتاجه وتقويته الآن في سياق مراسيم الأربعين ويظهر قوة إيران الناعمة للعالم.  لذلك، من المؤكد أن لإيران مركزية لا تُنكر في منطقة غرب آسيا ويرجع ذلك إلى التأثير الخطابي والاعتماد على الأيديولوجية وعلی القيم المشتركة لدول المنطقة.

المصدر ؛iuvmpress.news

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال