الأردن على صفيح ساخن..الطاقة محرك للاحتجاجات 68

الأردن على صفيح ساخن..الطاقة محرك للاحتجاجات

تشهد الأردن في الأسابيع الأخيرة احتجاجات شعبية إثر ارتفاع اسعار الطاقة والوقود، حيث أثرت هذه الأسعار على كلفة عيش المواطن وقوته الشرائية وأدى إلى اضراب سائقي الشاحنات عن العمل، ومطالبة الشعب الحكومة بخفض الاسعار.

وعلى مدار الأيام الماضية، تناقل نشطاء على مواقع التواصل الإجتماعي صوراً ومقاطع تعكس حجم الإضرابات، وأظهرت إحدى المقاطع المتداولة تجمع العديد من سائقي الشاحنات في الطرقات ورفضهم نقل البضائع. لكن الإضراب تسبب في حالة من الشلل التام وتدكس البضائع، خاصة في ميناء العقبة الرئيسي المطل على البحر الأحمر.

وترتب على ذلك انقطاع الإمدادات من السلع الأساسية نحو الأسواق، بحسب ما ذكره إعلاميون ومغردون على موقع تويتر. وما لبثت الأمور أن تصاعدت وتحولت إلى اشتباكات مع الشرطة في مناطق عديدة، ما أدى إلى مقتل ضابط وإصابة آخرين.

فقد أعلنت السلطات الأردنية مقتل نائب مدير شرطة محافظة معان، عبد الرزاق الدلابيح، إثر تعرضه للإصابة بعيار ناري مضيفة بأنه كان يتعامل مع أعمال شغب ينفذها “مجموعة من المخربين والخارجين عن القانون”.

وأثار مقتل الشرطي غضبا شعبيا وحكوميا عارما، إذ نعاه إعلاميون ومواطنون وسياسيون كثيرون عبر مواقع التواصل الاجتماعي. ورغم تباين مواقف المعلقين الأردنيين حيال الإضرابات، إلا أنهم أجمعوا على إدانة العنف وشددوا على رفضهم واستنكارهم لأي فعل خارج عن القانون.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، أعلنت وحدة الجرائم الإلكترونية التابعة لمديرية الأمن العام الأردني، إيقاف تطبيق “تيك توك” مؤقتا بسبب “إساءة استخدامه”. وقال المديرية إن المنصة لم تتعامل مع منشورات تحرض على العنف ، وسمحت بترويج فيديوهات من خارج الأردن للتأثير على مشاعر المواطنين”. وعلى إثرها انقسم المغردون بين مؤيد لقرار الحجب وآخر يسخر من الحكومة.

فالمعترضون على القرار رأوا فيه دليلاً على استمرار “عقلية التعتيم”. ودعا البعض إلى إقالة حكومة بشر الخصاونة واتهموها بمحاولة تكميم الأفواه. في المقابل، دافع آخرون عن قرار حجب تطبيق تيك توك واعتبروه حلا جيدا لـ “حفظ السلم الأهلي”.

المعلومات بشأن الإضرابات تبدو متعارضة، ولكن الأجواء تتجه للتهدئة بعد تشكيل لجنة برلمانية حكومية وعدت بمراجعة ملف النقل بالبلاد، وإثر تصريحات من هيئة تنظيم النقل البري عن دعم نقدي سيُقدم للسائقين بداية العام المقبل، وبعد معلومات مسربة من وزارة الطاقة أن تسعيرة المحروقات ستشهد تخفيضا ملموسا مقرونا بتراجع أسعار النفط عالميا.

وأكثر ما حظي بالنقد في الأيام الماضية، والإضراب مستمر، سفر رئيس الحكومة، ووفد وزاري إلى السعودية لإجراء مباحثات لتعزيز التعاون المشترك، وبرلمانيون وشخصيات عامة معروفة تحدثت همساً، وعلناً أن رئيس الوزراء كان يجب أن يُرجئ زيارته، فالأوضاع الداخلية الملتهبة أولى بالمعالجة، والضبط، ووجود الرئيس في الشارع ضرورة، ويقلص من الغضب، ويُظهر اهتماما أكثر بمزاج الناس.

هذه الاحتجاجات في الأردن تتزامن مع تقديم الحكومة لمشروع قانون الموازنة لعام 2023، والتي قدرت بـ 11 مليارا و400 مليون دينار، وتعهدت بعدم فرض ضرائب جديدة، وبنمو الإيرادات المحلية بحدود 10.4 بالمئة، وبمعدل تضخم لا يتجاوز 3.8 بالمئة، وبرفع مخصصات شبكة الحماية الاجتماعية.

الخبير السياسي واستاذ جامعة العلوم الاسلامية العالمية في الأردن،  يحيى محمود القضاة قال: “ما يحدث اليوم في الأردن هو نتيجة ارتفاع الأسعار المستمر، وخصوصا المشتقات النفطية، وازدياد نسبة الفقر والبطالة، وعدم قدرة المواطن على تحمل المزيد من ارتفاع الأسعار، إضافة الى شعور المواطنين بفقدان الثقة بالحكومة وفقدان الأمل بالإصلاح وتحسن الأوضاع الاقتصادية، والإحباط الشديد من أداء مجلس النواب وعدم قدرته على الوقوف في وجه قرارات الحكومة التي أثقلت كاهل المواطن الأردني، وهذا الامر نتيجة تراكمات على مدار سنوات طويلة”.

وصرح ان مستوى هذه الاحتجاجات ليس في مستوى غير قابل للتحييد أو المعالجة، مشيرا إلى ان مطالب المحتجين تتمثل بعدة أمور هي: “اقالة الحكومة، ومحاسبة الفاسدين الذين نهبوا خيرات البلاد، وتخفيض الضرائب، وتخفيض أسعار المحروقات، وتحسين أوضاع المواطنين”.

وفيما يتعلق بالسيناريوهات المقبلة، استبعد المراقبون أن تتخذ الحكومة محاولات جادة لاحتواء الأزمة، بينما توقعوا أن تطرح بالتعاون مع مجلس النواب حلولًا قد تكون مرضية بحدها الأدنى.

حيث يرى نضال الطعاني، المحلل السياسي الأردني، وعضو مجلس النواب السابق، أن الحكومات السابقة والحالية تمادت في جباية الضرائب المرتفعة على كل ما يتعلق بالحياة المعيشية للمواطن الأردني، استجابة لأوامر صندوق النقد الدولي.

ويرى أن فرض الضرائب على هذه المشتقات ينسحب بدوره على أسعار المواد والسلع الأساسية والاستراتيجية الضرورية لعيش المواطن، كما تضعف القوى الشرائية للدينار الأردني، محذرًا من تداعيات الأوضاع المعيشية المتردية للمواطنين الأردنيين بسبب سياسات الحكومة الاقتصادية.

ختاماً يمكن القول أنه لا يكاد يمر عام على الأردن دون أزمة يكون سببها اقتصادياً، لا سيما أن المملكة تقع في مكان جيوسياسي جعل منها واجهة لتلقي تداعيات أزمات تحيط بها. وعلى الرغم من ذلك، فإن الأردن المأزوم اقتصادياً استطاع خلال السنوات الماضية أن يحافظ على استقراره وسط محيط ملتهب، إلا أن ذلك لم يشفع له، بل شهد دعمه تراجعاً ملحوظاً، واقتصر على قروض لم تجنبه تداعيات الأزمات.

وبالتالي يبدو أن انشغال دول العالم، وخاصة الأوروبية منها، بالأزمة الروسية الأوكرانية وما خلفته من نتائج ثقيلة عليها، وبحث دول إقليمية شريكة لعمان عن تعزيز مكانتها، أبقى الأردن وحيدا حيث يحاول أن يعوض نقص دعمه الخارجي عبر إجراءات حكومية لا يقبلها الشعب، ومنها المشتقات النفطية التي شهدت ارتفاعا كبيرا أدى إلى حدوث إضراب قطاع النقل، وما نتج عنه من تطورات واحتجاجات أسفرت عن مقتل 4 من رجال الأمن، ومشتبه به في قتل واحد منهم.

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال