الإبادة بحق الفلسطينيين مستمرة.. التبادل التجاري العربي والإسلامي مع الاحتلال الصهيوني ما زال قائماً
الحرب الإجرامية الإسرائيلية على قطاع غزة لم تترك شيئاً ينبض بالحياة، حيث تدهورت الأوضاع الإنسانية بشدة، مع استهداف المشافي والمنشآت الإنسانية، ومنظمات الإغاثة، وعدم السماح للمواد الإغاثية بالوصول إلى القطاع.
قمة مخيبة وتأثيرات محدودة
أكثر من شهر مضى قبل أن يتخذ العرب قرار عقد قمة لبحث مسألة الحرب على قطاع غزة، فعُقِدَتْ قمة عربية إسلامية طارئة في العاصمة السعودية الرياض صدر عنها مجموعة قرارات أهمها: إدانة العدوان الإسرائيلي على القطاع والمطالبة بضرورة وقفه فورا، ورفض توصيف هذه الحرب الانتقامية دفاعا عن النفس أو تبريرها تحت أي ذريعة، إضافة إلى كسر الحصار على غزة وفرض إدخال قوافل المساعدات الإنسانية العربية والإسلامية والدولية بشكل فوري.
وكذلك دعم خطوات مصر لمواجهة تبعات العدوان، وإسناد جهودها في إدخال المساعدات إلى القطاع بشكل فوري ومستدام وكافٍ، ومطالبة مجلس الأمن باتخاذ قرار حاسم ملزم يفرض وقف العدوان، ويدين تدمير إسرائيل الهمجي للمستشفيات في القطاع ومنع إدخال الدواء والغذاء والوقود إليه، وقطعها الكهرباء والمياه والخدمات الأساسية فيه، والتأكيد على ضرورة رفع الحصار الذي تفرضه إسرائيل عليه منذ سنوات.
وأيضاً اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية، وإنشاء وحدتي رصد قانونيتين متخصصتين لتوثق الجرائم الإسرائيلية المرتكبة في القطاع، وإعداد مرافعات قانونية حول جميع انتهاكات القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني التي ترتكبها إسرائيل، ضد الشعب الفلسطيني، ودعم المبادرات القانونية والسياسية لدولة فلسطين لتحميل مسؤولي سلطات الاحتلال الإسرائيلية المسؤولية على جرائمه ضد الشعب الفلسطيني.
وصدر كذاك إدانة تهجير الفلسطينيين، والتأكيد على ضرورة العودة الفورية للنازحين إلى بيوتهم ومناطقهم، والرفض المطلق والتصدي الجماعي لأي محاولات للنقل أو التهجير أو النفي أو الترحيل للفلسطينيين، والتأكيد على ضرورة إطلاق سراح جميع الأسرى والمعتقلين والمدنيين.
وغيرها من قرارات اقتصرت على إعادة عبارات الإدانة والاستنكار، والدعوة إلى بذل الجهود في محاولة لمساعدة الفلسطينيين، واللجوء إلى أعلى المرجعيات والقوى في العالم لمحاولة إقناعها بإجبار الإسرائيليين على كسر الحصار المفروض على قطاع غزة.
فهل هذا حقاً هو ما يريده الفلسطينيون؟ وهل هذه هي الآمال المعقودة؟ إذ كان جميع العرب ولا سيما الفلسطينيون بانتظار هذه القمة ونتائجها، علّها باجتماع الجهود، والثقل النوعي للدول المشاركة فيها، تستطيع فرض تغيير على المعادلات الإقليمية، ولا سيما لجهة إيقاف الحرب، وعلى أقل تقدير كسر الحصار، وإدخال المساعدات إلى القطاع الذي يُدمَرُ ويُقتَلُ أهله بشكل يومي ووحشي.
لكن ثمة قرار مرّ بين تلك القرارات وهو مطالبة جميع الدول بوقف تصدير الأسلحة والذخائر إلى سلطات الاحتلال التي يستخدمها جيشها والمستوطنون الإرهابيون في قتل الشعب الفلسطيني وتدمير بيوته ومستشفياته ومدارسه ومساجده وكنائسه وكل مقدراته.
المطالبة في هذا البند اقتصرت على إيقاف تصدير الأسلحة فقط إلى كيان الاحتلال، ولم تشمل الصادرات كافة، ويكاد يكون هذا المطلب بلا أثر، إذ إن الاحتلال لا يستورد من الدول العربية والإسلامية أسلحة تُحدِثُ فارقاً استراتيجيا في سير الأحداث في المنطقة.
علاقات متبادلة
يرتبط عدد من الدول العربية والإسلامية بعلاقات اقتصادية متينة مع كيان الاحتلال، منها تركيا، الإمارات، ماليزيا، مصر، إندونيسيا، بنغلاديش، الأردن، المغرب، باكستان، كازاخستان، تونس، نيجيريا، أذربيجان.. وغيرها، وتعد تركيا من أبرز المصدرين للكيان، ففي عام 2022 ارتفعت قيمة الصادرات التركية إليه، والتي تقدر بنحو 6.4 مليارات دولار، بنسبة 60 بالمئة.
الإمارات كذلك ارتفعت في عام 2022 قيمة صادراتها والتي تقدر بنحو 1.9 مليار دولار إلى 7 بالمئة، وتم التوقيع على أكثر من 60 اتفاقية للتعاون الاستراتيجي.
مصادر كيان الاحتلال الاقتصادية تحدثت عن نمو ضخم في حجم الصادرات بين عامي 2022-2023 مع مجموعة من الدول العربية، لتحتل المغرب الصدارة، وتلاها كل من مصر والبحرين والأردن والإمارات العربية المتحدة.
وفي يناير/كانون الثاني 2024 بلغ حجم واردات مصر من الغاز الطبيعي القادم من الكيان الإسرائيلي نحو 900 مليون قدم مكعبة يوميًا، يصل لمصانع الإسالة المصرية، لإعادة تصديره في صورة غاز مسال للأسواق الخارجية وأوروبا بالدرجة الأولى، وهو ما يجعل مصر من الدول المصدرة للغاز المسال عالميًا، إذ عاد الاستيراد إلى وضعه الطبيعي بعد أن توقفت الواردات في أكتوبر الماضي بعد الحرب على غزة.
هذا الحجم من التبادل الاقتصادي، والحاجة الإسرائيلية للدور العربي في دعم اقتصاد الكيان، يفرض على العرب استخدام هذه الورقة عامل ضغط على الكيان لإيقاف حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة.
وبسبب عدم توصل القمة العربية الإسلامية إلى قرارات فاعلة لوقف إطلاق النار في غزة، ولمحدودية الجهود التي يقوم بها العرب والتي تقتصر على تحركات في الأروقة الدبلوماسية، بحث العراق بشكل جدّي قرار خفض تصدير النفط بواقع مليون برميل يوميًا من الحصة المقررة للتصدير، في محاولة لممارسة ضغط ما قد يسعى في دفع الأوضاع نحو الحل.
وتتكامل الجهود العراقية مع الجهد اليمني في الوقوف في وجه العدوان الإسرائيلي، فالحصار اليمني البحري المفروض على كيان الاحتلال سبب له أزمة كبرى في الداخل الإسرائيلي، وفي البنية الهيكلية لاقتصاد الكيان، الذي بات يبحث بكل السبل عن بدائل وحلول لهذه الأزمة التي لم يحسب لها حساباً، وأكبر دليل على فاعلية الحصار البحري اليمني هو تشكيل تحالف دولي بقيادة أمريكية لكسر الحصار وحماية السفن المتجهة إلى الكيان.
ويبدو أن هناك خطوات عربية ستضعف من فاعلية الحصار اليمني فيما لو تمت، ومنها ما أعلنته وزيرة المواصلات في الكيان ميري ريغيف، بأن العمل جار للالتفاف على الحصار، وذلك بنقل البضائع القادمة من الصين والهند إلى الإمارات والبحرين، وإطلاق ممر بري سريع منهما عبر السعودية والأردن إلى إسرائيل، ومنها إلى مصر وأوروبا وبالعكس، ما يعوّض عن 80٪ من الشحن البحري المتعثر، ويوفّر بديلا عن قناة السويس.
ختاماً يمكن القول إن الفلسطينيين يتوقعون أن يدفع منطق الحسابات البسيطة تلك الدول العربية والإسلامية التي ما زالت تربطها مع الكيان الصهيوني علاقات سياسية واقتصادية الدفاع عن مصالحها، أو سيادتها، أو أن تقف على الحياد، على الأقل، ولا تساهم، مباشرة أو غير مباشرة، في دعم إبادة الفلسطينيين.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال