إن المعيار الوحيد لشرعية أو عدم شرعية الفعل الدولي يتمثل في قواعد القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية، ولا يكون هذا المعيار خاضعاً لدولة بمفردها وإنما للأسرة الدولية، لأن هذه القواعد القانونية هي قواعد دولية تتعلق بالنظام العالمي ومحدداته؛ لذلك فإن ادعاء الولايات المتحدة وحلفائها بأنها تقوم بممارسة مسؤولياتها الدولية ومهامها الإنسانية بمكافحة الإرهاب وخاصة بعد أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 هو ادعاء يفتقر إلى الأساس الأخلاقي من جهة وإلى السند القانوني من جهة ثانية.
مازالت الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة تتهرب من تعريف محدد للإرهاب أو من عقد مؤتمرات دولية لتحديد معناه والتمييز بينه وبين مقاومة الاحتلال ونضال الشعوب من أجل تقرير مصيرها، كي يبقى الإرهاب مفهوماً ضبابياً فضفاضاً وحمّال أوجه وأداة مرنة وطيّعة في يد هذه الدول تشهرها في وجه كل دولة أو شعب يناضل من أجل حقوقه المغتصبة، أو من أجل قراره الحر والمستقل، أو يرفض الارتهان للسياسة والهيمنة الغربية؛ وبذلك يظل الإرهاب أداة طيعة يسهل استخدامها متى يشاؤون وكيف يشاؤون.
لقد كانت سورية أول من طالب منذ ثمانينيات القرن الماضي بعقد مؤتمر دولي لتعريف الإرهاب والتفريق بينه وبين نضال الشعوب في سبيل حقوقها وتقرير مصيرها، إلاً أن أحداً من الدول الغربية لم يصغ إلى هذا النداء.
وإذا أمعنا النظر في واقع العلاقات الدولية بما يخص استخدام القوة تحت زعم مكافحة الإرهاب نجد أن ما يجري على المسرح الدولي ينطلق من النظرة السياسية الأحادية الجانب في التعامل مع هذا الموضوع، وهنا مكمن الخطورة؛ إذ أن النظر إلى الإرهاب بعين واحدة ومن زاوية واحدة سيؤدي حتماً – وقد أدى – إلى نوع من الازدواجية في التعامل مع هذه الظاهرة وإلى تغليب الاعتبارات السياسية الشخصانية على الاعتبارات القانونية والموضوعية، وهو ما يتفق تماماً مع النظرية التي تنطلق منها الدول الغربية في مكافحة الإرهاب باتباعها سياسة انتقائية تعسفية تنسب الإرهاب دوماُ للآخرين وتنزع هذه الصفة عن أفعالها وعن أفعال حلفائها؛ فما فعلته الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن يعتبر إرهاباً “موصوفاً”.
إن هذا النهج الغربي الانتقائي يكرّس الطابع “السياسي- الذاتي” لمفهوم الإرهاب ويجعل اتهام أي دولة من أعداء الغرب أو أعداء الكيان الصهيوني بممارسة الإرهاب، أو دعمه، المبرر الأكبر لمهاجمتها أو للتدخل في شؤونها الداخلية.
إن إلصاق صفة الإرهاب بالدول التي لا تسير في فلك السياسات الغربية يهدف إلى تحقيق هدفين اثنين: الأول زيادة الضغوط الداخلية والدولية عليها، والثاني إعطاء نوع من الشرعية القانونية للأعمال العدائية التي تمارسها هذه الدول حيال الدول الأخرى وهو ما ينتهجه الكيان الصهيوني ومن ورائه الولايات المتحدة حيال حركات المقاومة الوطنية في الأراضي العربية المحتلة.
ولم يعد خافياً على أحد اليوم أن الولايات المتحدة تستخدم ذريعة مكافحة الإرهاب للتدخل في شؤون الدول والهيمنة عليها وسرقة مقدراتها كما حدث في أفغانستان، ثم العراق، ومؤخراً في سورية، أما الكيان الصهيوني فيستخدم هذه الذريعة للتغطية على إرهابه العابر للحدود وذريعة لارتكاب الإرهاب ضد السكان المدنيين بدعم كامل من الولايات المتحدة.
لقد نجحت سورية في تعرية الحرب الإرهابية التي شُنت عليها على مدى عشر سنوات، وفي كشف حقيقة هذه الحرب أمام الرأي العام العالمي من خلال مواجهتها ومواجهة الإعلام الغربي الذي وصف هذه الحرب الإرهابية بالحرب الأهلية، وهي لا تمت لمفهوم الحرب الأهلية بصلة، بل إنها تصنف حسب القانون الدولي على أنها حرب مفروضة على بلد مسالم، لا بل إن سورية خاضت حرباً ضد الإرهاب بالنيابة عن العرب والإقليم والعالم.
ومن خلال متابعة ما يُنشر في الصحافة الغربية، نلاحظ أن الصحافة الأمريكية (قناة الحرة، ناشيونال إنترست، صوت أميركا، نيويورك تايمز، واشنطن بوست، وغيرها..) تتفرد بالتبشير بأن ما يسمى “تنظيم داعش” سيواصل عملياته في منطقة الشرق الأوسط خلال العام 2022، ويشاطرها في ذلك الإعلام الصهيوني (هآرتس، جيروسالم بوست، وغيرها..)، حيث أن الكيان الصهيوني له كل المصلحة في ظهور هذه التنظيمات المتطرفة في المنطقة من أجل خدمة مشروعه التوسعي والاستيطاني وإضعاف العرب وإلهائهم عن قضيتهم الأم، القضية الفلسطينية، وباقي الأراضي العربية المحتلة، والسؤال هنا: إذا كانت هذه المعلومات صحيحة فمن أين أتى بها الإعلام الأميركي والصهيوني؟
ومن ناحية ثانية، نسأل: إذا كان الغرب يدّعي محاربة الارهاب، فلماذا لم يحاربه في سورية على مدى عشر سنوات؟ بل على العكس كان داعماً له سياسياً ولوجستياً وعسكرياً وإعلامياً وتقنياً، وحتى اجتماعياً.
مع يقيننا بأنه لا يوجد إرهاب منفلت من عقاله، يتضح من خلال مسار الأحداث أن الدوائر السياسية والعسكرية في أميركا والغرب، ومعها الكيان الصهيوني، هي التي تدير هذا الإرهاب وأن الولايات المتحدة لا تحارب الإرهاب في سورية، بل إنها تدعمه وتشدّ من أزره ليكون حجة لها تسرق من خلاله مقدرات وخيرات الشعب السوري من النفط والقمح وغيرها، ناهيك عن الإرهاب الاقتصادي الذي يمارسه الغربعلى الشعب السوري في لقمة عيشه ودفئه ودوائه من خلال الإجراءات الاقتصادية الأحادية الجانب، أضف إلى ذلك أنها تستخدم جزءاً من هذه الثروات لشراء الذمم ومحاولة خلق شرخ بين أبناء البلد الواحد وتقسيم البلد.
إن جوهر ميثاق الأمم المتحدة ومبادئ القانون الدولي يقتضي التعامل مع جميع الدول على قدم المساواة باعتبارها أعضاء في المجتمع الدولي وفي الأمم المتحدة، وبالتالي فإن جميع هؤلاء الأعضاء معنيون، دونما استثناء، بصون المصالح الأساسية للمجتمع الدولي، وليس من حق أي دولة أن تدعي هذه المسؤولية لذاتها، وأن تمنح نفسها مكانة “القاضي الدولي” الذي يحكم على أفعال الآخرين ولا يخضع لأي محاسبة على أفعاله التي هي أشد وطأة وخطورة على الأمن والسلم الدوليين.
ولا شك أن الخطوة الأولى لمكافحة الإرهاب تتوقف على تعريفه وتحديد مضمونه تحديداً منضبطاً لا يترك أي مجال للتأويلات من قبل الدول الغربية والتي تسعى فقط لتحقيق مصالحها وأهدافها وهيمنتها وتسبب بالغ الضرر لوحدة الشعوب ورخائها واستقرارها.
شادي العاني
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال