الإرهاب من الشرق إلى الغرب؛ سياسة الإرهاب عند الكيان الإسرائيلي
استُشهد رئيس المكتب السياسي لحماس المجاهد (إسماعيل هنية) صباح الأربعاء، 31/7/2024م، في طهران وهو شكل استشهاده خسارة كبيرة لمحور المقاومة. على مدار ثمانية عقود مضت نفذت حكومة الاحتلال الصهيوني حوالي 3000 عملية اغتيال. وتشمل أعمال هذه الحكومة المتوحشة سنويًا 38 عملية داخل وخارج الأراضي المحتلة، مما يتطلب القول إن هذه الأعمال الإرهابية لا تقتصر على استهداف القادة والناشطين العسكريين فحسب، بل تشمل أيضًا القادة السياسيين والعلماء والكتاب. كما أن دولة الاحتلال الصهيوني تقوم بعمليات إرهابية وتعديات على مستوى عالمي من الشرق إلى الغرب، فيما يمتد محور المقاومة ليضم جنسيات متعددة تشكل كيانًا واحدًا يختلف أساسًا عن جوهر نظام الاحتلال الصهيوني.
منذ خمسينيات القرن الماضي، اعتمدت دولة إسرائيل سياسة الإرهاب والتصفية كإحدى دعاماتها الثابتة، دون أن تولي أي اهتمام للعواقب السياسية والقانونية لهذا العمل الوحشي واللا إنساني. فقط بعد بضعة أشهر من إعلان وجود نظام الاحتلال الصهيوني، بدأت عمليات الاغتيال حين اغتالت العصابات الصهيونية الدبلوماسي السويدي "فولكيه برنادوت"، الذي كان وسيطًا بين العرب وإسرائيل، والذي قدّم أفكارًا للسلام منها إنهاء هجرة اليهود إلى الأراضي الفلسطينية وإبقاء القدس تحت السيادة العربية.[1]
توسيع نطاق سياسة الإرهاب في نظام إسرائيل
يمكن القول بقوة إن دولة الاحتلال الإسرائيلي قامت بتنفيذ عمليات اغتيال من شرق إلى غرب العالم في مناطق متعددة، بما في ذلك أمريكا وفرنسا وتونس وألمانيا، وغيرها من الدول حيث سنستعرض بعض هذه العمليات كأمثلة.
خمسينيات القرن الماضي: اغتيال "حسن كامل الصباح"، العالم اللبناني والمخترع والباحث من أبرز العلماء على مستوى العالم في أمريكا؛ واغتيال "صلاح مصطفى" أحد ضباط الجيش المصري بواسطة "قنبلة ملصقة" في عمان عاصمة الأردن.
في الستينات: تم اغتيال "هاينز كروغ"، العالم الألماني في برنامج الصواريخ في مصر خلال "عملية داموكليس" في ألمانيا الغربية؛ واغتيال خمسة عمال في مصنع الصواريخ 333 في مصر في المرحلة الثانية من "عملية داموكليس" باستخدام قنبلة ملصقة.
في السبعينيات: اغتيال "وائل زعيتر" أحد الأعضاء البارزين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وموظف في السفارة الليبية في إيطاليا؛ واغتيال "غسان كنفاني" الكاتب وأحد الأعضاء البارزين في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في بيروت؛ واغتيال "محمود همشاري"، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية في فرنسا؛ واغتيال "بصيل الكبيسي" عضو بارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين وأستاذ في الجامعة الأمريكية في بيروت في باريس؛ اغتيال "محمد يوسف النجار" ضابط عمليات مجموعة "سبتمبر الأسود"؛ و"كمال عدوان"، قائد مجموعة سبتمبر الأسود وعضو بارز في اللجنة المركزية لمنظمة فتح؛ و"كمال ناصر" متحدث منظمة التحرير الفلسطينية في "عملية ربيع الشباب" في بيروت؛ اغتيال "حسين بشير" ممثل منظمة فتح في نيقوسيا في قبرص؛ اغتيال "زياد موكاسي" ممثل فتح في قبرص في فندق إقامته في أثينا، اليونان؛ محاولة اغتيال فاشلة ضد "علي حسن سلامة" أحد قادة منظمة التحرير الفلسطينية في "ليلهامر"، النرويج؛ اغتيال "وادي حداد" قائد جبهة تحرير فلسطين في جمهورية ألمانيا الديمقراطية؛ اغتيال "زهير محسن"، قائد فرع "السياقة" لمنظمة التحرير الفلسطينية في "كان"في فرنسا.
الثمانينيات: اغتيال الدكتور "يحيى المشد" العالم النووي المصري في "عملية أبو الهول" في غرفة فندق إقامته في باريس؛ اغتيال "خليل الوزير"، نائب ياسر عرفات وأحد مؤسسي حركة فتح في تونس؛ اغتيال "خالد نضال" سكرتير الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين أثناء مغادرته فندق إقامته في أثينا، اليونان.
التسعينيات: اغتيال "جرالد بول" المهندس الكندي ومصمم مشروع بابل الذي شمل إنتاج الأسلحة العسكرية للعراق، في بروكسل؛ اغتيال "رمال حسن رمال"، العالم اللبناني في مختبر الأبحاث الفرنسية؛ اغتيال "روبرت ماكسويل"، رجال الأعمال الإعلامي الإنجليزي أثناء وجوده في يخته في جزر الكناري؛ اغتيال "سمير نجيب"، المؤرخ المصري في عام 1993 بعد حريق شقته في القاهرة.
خلال العقد الأول 2000: اغتيال "طالب إبراهيم الظاهر" العالم النووي العراقي في العراق؛ اغتيال "جاسم الذهبى" أستاذ ورئيس كلية الإدارة والاقتصاد في جامعة العراق؛ اغتيال "عماد مغنية" القائد الأمني لحزب الله اللبناني بواسطة قنبلة مزروعة في سيارته في دمشق في سورية.
خلال العقد الثاني 2010: شهدت هذه الفترة عدة عمليات اغتيال بارزة، منها اغتيال "مسعود علي محمدي"، العالم النووي وأستاذ الفيزياء في جامعة طهران، أثناء خروجه من منزله في طهران. كما تم اغتيال "محمود المبحوح"، أحد أهم الشخصيات في حماس، في أحد الفنادق في دبي. وتم اغتيال "مجيد شهرياري"، العالم النووي الإيراني بواسطة قنبلة مزروعة في سيارته في طهران. كذلك تعرض "داريوش رضايي"، العالم النووي الإيراني للاصابة برصاص قاتل أمام منزله وأمام عيني زوجته وابنته الصغيرة في طهران. وتم اغتيال "مصطفى أحمدي روشن"، نائب المدير التجاري لموقع نطنز النووي في طهران. كما اغتيل اللواء "حسن شاطري"، رئيس الوفد الإيراني لهيئة إعادة إعمار لبنان في سورية. علاوة على ذلك أغتيل "جهاد مغنية"، ابن عماد مغنية مع مجموعة من عناصر حزب الله أثناء زيارة مدينة "مزرعة الأمل" في محافظة "القنيطرة" السورية. وتم اغتيال "فادي البطش"، مهندس إلكتروني وأستاذ جامعي مقرب من حماس، في العاصمة الماليزية. وأخيراً تم اغتيال "أبوبكر عبدالمنعم رمضان" أحد العلماء النوويين المصريين، عن طريق وعكة صحية سببت له الوفاة في أحد فنادق المغرب.[2]
خلال عقد 2020: في نوفمبر 2020 تم اغتيال "محسن فخري زاده"، العالم النووي الإيراني، في طهران. كما شهدت الأشهر العشرة الماضية سلسلة من الأعمال الإرهابية في سورية والعراق واليمن ولبنان وإيران، حيث تم اتهام إسرائيل على الفور وغالباً ما تحمّلت مسؤولية تلك العمليات.
يُظهر الحجم الكبير والعدد المتزايد من العمليات الإرهابية التي ينفذها النظام الإسرائيلي مدى انتشار تلك الاغتيالات في مناطق مختلفة حول العالم، وقد تمت الإشارة إلى بعض هذه الأعمال فقط لإظهار طبيعة الانتشار الجغرافي لجرائم النظام الصهيوني.
الدعم السياسي للنظام الصهيوني في سياسة الاغتيالات:
تشير الأدلة إلى أن النظام الصهيوني، بفضل الدعم القوي من المنظمات الدولية وحقوق الإنسان، يقوم بتنفيذ عمليات اغتيال متعددة في نقاط مختلفة حول العالم بارتياح، دون أن يتعرض للإدانة بسبب انتهاك السيادة الإقليمية أو استقلال الدول أو حتى بسبب أفعاله المناهضة لحقوق الإنسان في فلسطين المحتلة.
تشير الشواهد إلى أن جميع الإجراءات التي قام بها نظام إسرائيل تمت بالتنسيق الكامل مع الولايات المتحدة، وبعبارة أخرى بتأييد واشنطن. تم اغتيال إسماعيل هنية بعد عدة أيام فقط من عودة نتنياهو من أمريكا، وفي الواقع خلال خطابه ومشاركته في الكونغرس الأمريكي. شهد العالم دعم أعضاء الكونغرس وتأييدهم لنتنياهو لاستمرار مجازره وجرائمه وهذا أمر لا يمكن تجاهله بسهولة.
استشهاد إسماعيل هنية على أرضه.
من الواضح أن الجريمة النكراء التي ارتكبها نظام إسرائيل واغتياله لإسماعيل هنية في طهران هي استمرار لسياسات النظام الصهيوني الإرهابية، من أجل البقاء والتغطية على ضعفه وعجزه أمام محور المقاومة. اليوم يشكل محور المقاومة كيانًا متماسكًا من دول وشعوب مختلفة، حيث يقوم النظام الصهيوني بتنفيذ عمليات إرهابية وتجاوزات على نطاق عالمي، من الشرق إلى الغرب، بينما يمتد محور المقاومة في جميع أنحاء العالم ويضم جنسيات متعددة تتعاون معًا لمواجهة نظام إسرائيل ككيان واحد.
من هذا المنطلق، يُعتبر إسماعيل هنية واحدًا من القادة والأبناء الشرفاء لمحور المقاومة، وقد استشهد على أرضه أي في جزء من أرض محور المقاومة. وذلك في وقت وصلت فيه المقاومة إلى مرحلة تستطيع فيها العمل على عدة جبهات في آن واحد، وهذه هي ذروة انتصارات المقاومة وتقدمها مما أدى إلى استياء نظام إسرائيل. إن إطلاق مئات الصواريخ والطائرات المسيرة نحو العدو من قبل إيران في غضون ساعات كان فيما مضى حلمًا، أما اليوم فقد تحقق هذا الحلم في عملية "الوعد الصادق". في الماضي كانت القوات المحتلة بدعم من أمريكا قادرة على هزيمة عدة جيوش عربية في آن واحد واحتلال أراضيها، أما الآن وبعد مرور عشرة أشهر من المجازر والتدمير في غزة تحاول تلك القوات من خلال الاغتيالات والتجاوزات على الأراضي الإيرانية أن تحقق لنفسها نصراً، دون أن تأخذ في حسبانها تبعات هذا الاغتيال الوحشي وهذا يدل على القوة المتزايدة للمقاومة في جميع المجالات.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال