140
مع قرب فصل الشتاء واشتداد النزاعات بعد عام 2022 تمر البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا بواحدة من أخطر مراحلها منذ استقلال البلاد عن الاتحاد السوفيتي السابق، وقد كلفت البلاد تكاليف مادية وبشرية باهظة. وأدت إلى إضعاف جزء كبير من قدرة أوكرانيا على إنتاج الكهرباء والطاقة بسبب الحرب مع روسيا وهجماتها المستمرة. وبطريقة ما فإن الاستخدام الذكي لروسيا لساحة معركة جديدة في حرب الطاقة خلال السنوات القليلة الماضية قد أضعف أوكرانيا ودمر بنيتها التحتية للغاز والكهرباء وأدى في النهاية إلى انهيار نظام الطاقة في هذا البلد.
مع الدمار الهائل للبنية التحتية للطاقة في أوكرانيا خلال الهجمات الروسية الموجهة في صيف عام 2024، عانى سكان البلاد من نقص حاد في الكهرباء وعلى الرغم من استيراد الكهرباء من جيران أوكرانيا الغربيين، إلا أن قدرة توليد الكهرباء في البلاد تعمل بعجز يبلغ حوالي 2.3 جيجاوات (جيجاواط) أقل من ذروة الطلب البالغة 12 جيجاوات. وأدى هذا العجز الناجم عن تلف أكثر من نصف معدات تحويل الجهد وخطوط نقل الطاقة، إلى انخفاض تدريجي في إمدادات شركة النقل الأوكرانية المملوكة للدولة وبُذلت جهود لإدارة أزمة الطاقة في جميع أنحاء أوكرانيا من خلال خفض الإمدادات، واقتصر إمداد الطاقة على بضع ساعات يوميًا في بعض المناطق.
ولكن مع ذلك ووفقًا لبعض وكالات الأنباء فقد اقتصر انقطاع التيار الكهربائي على مناطق محددة واستمر لبضع ساعات كحد أقصى. كما تزعم بعض المصادر أنه تم تعزيز التحصينات وبناء حواجز متعددة لحماية البنية التحتية الحيوية لنقل الطاقة في البلاد بشكل أكبر، وكانت هناك أيضًا تقارير عن بناء مرافق جديدة وإصلاحات وتجديد للمرافق القائمة.[1]
من ناحية أخرى وفي ظل استراتيجية روسيا لتآكل الطاقة وتدمير مقاومة كييف تعطلت البنية التحتية للتدفئة المركزية والغاز الطبيعي في أوكرانيا بشكل كبير. و من عام 2022 تضررت 18 محطة كبيرة لتوليد الطاقة الحرارية والكهربائية (CHP) أو دُمرت بالكامل، بالإضافة إلى أكثر من 800 محطة كما تضررت بعض البنية التحتية لتخزين الغاز. في الوقت الذي يتوقع فيه قادة أوكرانيا مساعدة من داعميها الغربيين، لم تتلق أوكرانيا مساعدة كبيرة منهم بسبب الضغوط الاقتصادية على أوروبا، والآن نشهد احتجاجات وتحذيرات من المسؤولين والخبراء الأوكرانيين[2].
في هذا السياق صرّح عمدة خاركيف إحدى أهم المدن المتأثرة بأزمة الطاقة في أوكرانيا، بأن الشتاء القادم سيكون الأصعب على البلاد منذ بداية الحرب[3]. والآن ومع حلول الشتاء الرابع على التوالي تُغرق روسيا البلاد في الظلام والبرد كجزء من حربها على الطاقة.
في الأسابيع الأخيرة، شنّت روسيا هجماتٍ لا هوادة فيها ليس فقط على شبكة الكهرباء الأوكرانية بل أيضًا على بنيتها التحتية للغاز والخدمات اللوجستية، مما أسفر عن استهداف محطتي تحويل فرعيتين على الأقل في خاركيف، بالإضافة إلى محطة سريدنيودني دنيبرو للطاقة الكهرومائية، ومحطة دي تيك الحرارية للطاقة، والعديد من مرافق إمداد الغاز وإلحاق أضرار جسيمة بها.
في الواقع أدت هجمات خاركيف وبولتافا إلى توقف حوالي 60% من طاقة إنتاج الغاز في أوكرانيا. [4]ويمكن الآن وبصورةٍ أكثر دقة وصف الهجوم على البنية التحتية للغاز في البلاد بأنه الأكبر والأوسع نطاقًا منذ بدء العملية العسكرية ضد أوكرانيا.
في الوقت نفسه تواجه البلاد أزمة حادة في القوى العاملة وضعفًا في الموارد بسبب تدمير البنية التحتية، ويعاني الكثيرون في أوكرانيا من البرد ونقص الطاقة. ووفقًا لمحللين حذّر مسؤولون حكوميون وسياسيون أوكرانيون فولوديمير زيلينسكي سرًا من احتمال "الانهيار والخسارة بالحرب"، لكن احتمال تغير هذا الوضع عشية شتاء قارس وصعب يبدو مستبعدًا.[5]
وقد خلق هذا الوضع في نهاية المطاف تحديًا للغرب وشكوكًا حول استمرار دعم أوكرانيا في مجالي الطاقة والمالية. ويعتقد الخبراء أن الدعم المالي وقروض التنمية لأوكرانيا، وإنشاء الاتحاد الأوروبي لهذه الصناديق سيتسبب أيضًا في خسائر مالية لهذه الدول نفسها. [6]
في الولايات المتحدة تشير استطلاعات الرأي العام إلى تحول الآراء من دعم أوكرانيا إلى تخفيف الضغط على روسيا. وقد انخفض تأييد فرض عقوبات على قطاع الطاقة ضد روسيا، حتى لو أدت إلى ارتفاع الأسعار في الولايات المتحدة، من أعلى مستوى له منذ أزمة أوكرانيا من 56% إلى 44%. وهذا يعني أن مستوى قبول ودعم العقوبات الأمريكية على قطاع الطاقة الروسي آخذ في الانخفاض.
في بريطانيا، التي تعاني من أشد أزمة غلاء معيشة منذ عقود، أصبح دعم أوكرانيا قضية اجتماعية. أما في فرنسا وألمانيا فالوضع السياسي أكثر إثارة للقلق، لدرجة أن السياسية الفرنسية مارين لوبان دعت إلى رفعها معتبرةً أن العقوبات تضرّ بالفرنسيين أكثر من الروس.[7]
وأخيرًا، تجدر الإشارة إلى أن الشتاء القادم لأوكرانيا أصبح أزمة حرجة وتحديًا كبيراً، في ظل استراتيجية روسيا لاستنزاف موارد الطاقة الأوكرانية وتدمير بنيتها التحتية للغاز والكهرباء من خلال حرب طاقة، واستنزاف الموارد البشرية وعجزها. وهو تحدٍّ سيُغرق الغرب نفسه وسيصاحبه ردود فعل أخرى. في نهاية المطاف سيؤدي هذا الوضع الحرج مع استمرار الهجمات الروسية والانهيار التام لنظام الطاقة في أوكرانيا إلى أصعب شتاء في تاريخ البلاد، لدرجة أن نقص الكهرباء ومصادر الطاقة سيكون أكثر تأثيراً من نقص المدافع والدبابات والأسلحة العسكرية.
نويد دانشور
[1] https://www.osw.waw.pl/en/publikacje/analyses/2025-10-17/eve-a-heating-season-russia-targets-weak-links-ukraines-energy
[2] https://www.iea.org/reports/ukraines-energy-security-and-the-coming-winter/ukraines-energy-system-under-attack
[3] https://newsukraine.rbc.ua/news/kharkiv-preparing-for-its-hardest-winter-1759756288.html
[4] https://tomorrowsaffairs.com/ukraine-is-bracing-for-the-harshest-winter-since-2022
[5] https://time.com/6234344/winter-ukraine-how-to-support
[6] https://www.eeas.europa.eu/delegations/ukraine/eib-supports-ukraine’s-energy-security-€300-million-loan-naftogaz_en
[7] https://www.rfi.fr/en/france/20220803-french-far-right-leader-le-pen-calls-for-an-end-to-sanctions-against-russia
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال