مع بداية الحرب بين غزة وإسرائيل شهدت تل أبيب العديد من الاحتجاجات لكن التظاهرات والإضراب العام الأخيرين يُعتبران أكبر الاحتجاجات منذ بداية الحرب. حيث تُعبر هذه التظاهرات والإضراب الأخير عن موجة الغضب الأخيرة ضد نتنياهو بسبب عدم التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.
بعد إعادة ست جثث من الأسرى الذين احتُجزوا منذ بداية حرب حماس-إسرائيل في 7 أكتوبر في قطاع غزة بدأت الاحتجاجات في جميع أنحاء إسرائيل مصحوبة بإضراب عام. تُظهر هذه التطورات بوضوح موجة الغضب العام تجاه الفشل المتكرر لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته في إنهاء اتفاق لوقف إطلاق النار مع حماس. على الرغم من ادعاء الجيش الإسرائيلي بأن هؤلاء الأسرى قُتلوا على يد حماس قبل وصول القوات الإسرائيلية إليهم أكدت حماس كما في العديد من الحالات السابقة، أن الأسرى الستة قُتلوا نتيجة الغارات الجوية الإسرائيلية. على أي حال أدى هذا الحدث إلى قيام آلاف المحتجين يوم الأحد بإغلاق الطرق في القدس وتل أبيب والتظاهر أمام مقر إقامة نتنياهو.
وحسب ماقالت قالت جمعية عائلات الرهائن التي تمثل عائلات بعض المحتجزين في غزة، فإن وفاة هؤلاء الستة كانت نتيجة مباشرة لفشل نتنياهو في التوصل إلى اتفاق لوقف الحرب وإعادة أحبائهم إلى الوطن. حالياً لا يزال حوالي 101 رهينة محتجزين في غزة وتعتقد إسرائيل أن ثلثهم لم يعد على قيد الحياة. يعارض نتنياهو والعديد من المتشددين في حكومته وكذلك مؤيدوهم أي صفقة لتبادل الرهائن قد تؤدي إلى إطلاق سراح مقاتلين من السجون الإسرائيلية مما يساعد على تعزيز قوة حماس.
بينما وعد نتنياهو بـ "النصر الكامل" على حماس مُحملاً إياها مسؤولية فشل المفاوضات التي استمرت هذا العام. الحقيقة هي أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يسعى لإنهاء الحرب فقط إذا كانت إسرائيل قد انتصرت فيها. ومع ذلك يعتقد جميع المحللين والمراقبين أن إسرائيل لن تحقق النصر في هذه الحرب. تُحمّل حماس أيضاً إسرائيل والولايات المتحدة مسؤولية استمرار الحرب وموت الأسرى الإسرائيليين، متهمة إياهما بتأخير المفاوضات من خلال طرح مطالب جديدة بما في ذلك السيطرة المستدامة لإسرائيل على ممرين استراتيجيين في غزة. قدمت حماس اقتراحاً بإطلاق سراح الرهائن مقابل إنهاء الحرب، والانسحاب الكامل للقوات الإسرائيلية وإطلاق سراح عدد كبير من الأسرى الفلسطينيين بما في ذلك مقاتلون بارزون.
ما شهدناه حتى الآن يُظهر أن نتنياهو يسعى لاستمرار الحرب. في الواقع يُعتبر استمرار الحرب استراتيجية من نتنياهو للتخلص من الاتهامات في المحكمة وتحمل مسؤولية فشل إسرائيل في الحرب على غزة. مع انتهاء الحرب يجب على نتنياهو المثول أمام المحكمة ولجنة التحقيق. لذلك يُعتبر استمرار الحرب استراتيجية صهيونية ويدير نتنياهو هذا الأمر بمهارة ويستفيد منه.
علاوة على ذلك أظهرت التطورات في الأشهر الأخيرة أن نتنياهو لا يستطيع إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين ولهذا السبب أصبحت قضية الرهائن موضوعاً هامشياً. ومن ثم يسعى بكل قوته لتأجيج الحرب الإقليمية آملاً في إدخال الولايات المتحدة إلى الصراع. هذا الأمر قد أخرج قضية الرهائن واتفاق وقف إطلاق النار في غزة من أولويات رئيس الوزراء الإسرائيلي. وهو ما أدركه المواطنون في الأراضي المحتلة، حيث تُظهر الإضرابات العامة الأخيرة التي تُعتبر أكبر إضراب منذ 7 أكتوبر، أن نتنياهو لم يعد يستطيع تبرير أفعاله أمام الرأي العام.
حالياً يعلم الجميع أن المصالح الشخصية لنتنياهو تهدد جميع العمليات وخاصة عملية المفاوضات لوقف إطلاق النار. ومع ذلك فإن المشكلة في عملية إنهاء الحرب وتنفيذ وقف إطلاق النار ليست فقط نتنياهو، بل هي أيضاً مشكلة المجتمع الإسرائيلي. يعيش سكان الأراضي المحتلة في حالة من الرعب والهلع ولم يقوموا حتى الآن بأي إجراء خاص لمعارضة سياسات نتنياهو باستثناء هذا الإضراب العام الأخير. لذلك استغل نتنياهو هذا الأمر لمصلحته لتمديد الحرب. يمكن أن تؤدي صحوة واحتجاجات الإسرائيليين إلى زيادة الضغوط على نتنياهو وحكومته مما قد يغير مسار استمرار الحرب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال