“إسرائيل تواجه انتفاضة بين انتفاضتين”، هذا ما يركّز عليه الإعلام العبريّ في الفترة الأخيرة، مشيراً إلى أنّ ذلك يتسبب في عدم تمتع الإسرائيليين حتى “بنصف السلام والراحة”، متناسيّاً جرائم قوات الاحتلال الإسرائيليّ ضد الفلسطينيين وثرواتهم ومقدساتهم، وارتكابها أبشع الجنايات الإرهابيّة في قتلهم وإعدامهم بالأخص في الضفة الغربيّة المحتلة التي شهدت تفعيل وسائل المقاومة والمواجهة، بسبب مواصلة قوات العدو جرائم الإعدام بدم بارد بحق الفلسطينيين بعد تعنت العدو بعقليته الإجراميّة والإرهابيّة، فيما تعيش أجهزة الأمن التابعة للكيان ارتباكاً كبيراً بعثر كل أوراق المسؤولين الأمنيين، نظرًا لكثافة العمليات ونجاحها في إنجاز ضرباتها الموجعة، بعد أن أقرّت تل أبيب مؤخراً بـ”الخطر المحتمل” في الضفّة الغربيّة المُحتلّة واعترافها أنّه “أعلى من الخطر من جهة قطاع غزّة المحاصر”، باعتبارها ترزح تحت الاعتداءات الإسرائيليّة الممنهجة والمتصاعدة منذ عام 1967.
مقاومة متصاعدة
زيادة واضحة في معدل المقاومة في الضفة الغربية، جملة تُسمع كثيراً هذه الأيام في مختلف وسائل الإعلام التابعة للعدو، والتي تشمل مجموعة كبيرة من الإجراءات من إلقاء الحجارة إلى إطلاق النار، على الرغم من أن الكيان يتحدث دائما أن الأوضاع في الضفة “تحت السيطرة”، وأن ما يجري من عمليات مقاومة رغم خطورتها، إلا أنها “حالة فردية” يمكن تجاوزها، لكن الوضع مُغاير لما يروج له الكيان، فالضفة لم تعد كالسابق والمقاومة تتطور كمًا ونوعًا، مع ارتفاع احتمالات أن تنفجر الأوضاع أكثر وأكثر في الضفة الغربية بسبب التمادي الإسرائيليّ الصادم.
ويعرف الإسرائيليون أنّهم يواجهون انتفاضة أخرى بين الانتفاضتين، فيما لم تكن الدوائر الأمنية الإسرائيلية في الانتفاضة الثانية مستعدة لقبول تشكيل الانتفاضة إلا بعد فترة طويلة من اندلاعها، وبعد العمليات الاستشهادية للفلسطينيين، وصلت إلى عمق “إسرائيل” وانتشرت الانفجارات في مناطق وأماكن مختلفة، وعندها استخدمت هذه الحلقات تفسير الانتفاضة الثانية للأعمال الفلسطينية، كما ترتفع المخاوف من انتقال تلك العمليات الفدائية وكرة اللهب والغضب الفلسطينية إلى الداخل المحتل أو ما يعرف بـ”أراضي48″، وتخشى القيادة الإسرائيلية من اتساع رقعة عمليات إطلاق النار التي تشهدها الضفة لتمتد إلى “داخل الخط الأخضر”.
ووفقاً لكتاب إسرائيليين، فإنّ الصهاينة جميعًا “تحت الحصار”، أي انتقال عمليات إطلاق النار من شمال الضفة إلى داخل “الخط الأخضر”، وإقدام خلايا المقاومة التي تنشط في جنين ونابلس، بتنفيذ عمليات داخل المدن التي تعج بالمستوطنين، وخاصة في ظل اعترافات مصادر أمنية بأن المسؤولين الصهاينة لا يملكون حلولا كبيرة لمواجهة هذا التهديد الذي يتم التعامل معه كما يجري التعامل مع تهديد عمليات الطعن والدهس، والدليل أن الجيش الإسرائيلي في الأسابيع الأخيرة بدا غير قادر على السيطرة على الوضع مع انتشار موجة المقاومة في جميع أنحاء فلسطين المحتلة.
وفي ظل تصعيد عمليات المقاومة من إطلاق النار ومحاولات الدهس ضد قوات الاحتلال وعصابات مستوطنيه، تُجمع فصائل المقاومة الفلسطينية بكل تشكيلاتها على الوقوف صفاً واحداً في الدفاع عن فلسطين، وتؤكّد أنّها لن تسمح للعدو بأن يستفرد بأبناء فلسطين هناك، فقد بات واضحاً الآن أن المقاومة بالضفة المحتلة تأخذ منحى تصاعدي مختلف عن كل ما سبق وبوسائل مختلفة، فبينما يحاول العدو احتواء الوضع في شمال الضفة (جنين، ونابلس، وطولكرم) يزداد الأمر صعوبةً عليه بعد تصاعدها جنوبًا في الخليل وتكرار عمليات إطلاق النار ضد جنوده ومستوطنيه خلال الفترة الماضية، وتتصاعد المخاوف الإسرائيلية من انتقالها داخل أراضي 48 المحتلة، فيما يدعو المقاومون بشكل مستمر إلى تصعيد المواجهة ضد الكيان ومستوطنيه في عموم مدن الضفة الغربية المحتلة.
فشلُ وعجزُ إسرائيليّ
بشكل تام، يُجمع المراقبون للشأن الفلسطينيّ، على أنّ القيادة الأمنية والعسكرية في حكومة العدو باتت عاجزة بشكل كامل عن إدارة الأوضاع عقب التصعيد الخطير الذي قامت به في الفترة الماضية، على الرغم من التحذيرات التي لا حصر لها مع كل عدوان جديد تنفذه قوات العدو، وهو اقتراب تحول الضفة الغربيّة بكاملها إلى “غزة ثانية” لردع العدوان الهمجيّ الذي لا يتوقف عن قتل المدنيين وتدمير مقدساتهم وتهديد أرواحهم، بعد أوصل الصهاينة وآلتهم العسكريّة رسالة لهذا الشعب بأنّهم سيسحقون كل فلسطينيّ ومطالب بحقوقه، والتهم جاهزة كعادتها “إرهابيّ”، “قاتل”، “متشدد”، وخاصة أنّ المقاومين هناك يعتبرون “جمراً تحت الرماد” وأحد أساليب المقاومة والمواجهة في المنطقة المهددة من قوات المحتل العنصريّ.
وعلى هذا الأساس، استعملت قوات العدو القوة المفرطة للقضاء على حالة المقاومة بالضفة، لكن ازدياد وتيرة الجرائم الإسرائيليّة، جعل حسابات الكيان الخاطئة بشدّة في الضفة الغربية، سياسة صهيونيّة ظهرت نتائجها حاليّاً حتى باعتراف الإعلام العبريّ والمحللين والقياديين العسكرين الصهاينة، مع إقدام العدو على خطوات تصعيديّة كثيرة بدءاً من عمليات الضم التي ستؤدي بلا محالة إلى انفجار الأوضاع، وليس انتهاءً بارتكاب أبشع الجرائم الإرهابيّة في قتل وإعدام وتعذيب الفلسطينيين، وعلى الرغم من أن العدو نسب إخفاقاته المتكررة إلى أجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينيّة، إلا أنّ سياسة الإجرام قلبت الطاولة على رؤوس المسؤولين الإسرائيليين.
وبالتالي، لم تفهم “إسرائيل” أنّه كلما زاد العدو ومستوطنوه من اعتداءاتهم وتدنيسهم للمقدسات كلما زادت المقاومة في الضفة الغربية، حيث إنّ تصاعد المقاومة المسلحة في الضفة الغربية وصل إلى هذا الحد بعد أن شعر الأهالي بأنّ العقلية الإجراميّة والإرهابيّة للمحتل الأرعن لا يمكن أن تتغير، وأنّ سلطتهم لا تملك سوى “الهراء الإعلاميّ” و”التنديد والوعيد” بينما تفتح أحضانها لكل أنواع التعاون مع تل أبيب، وإنّ تصريحات فصائل المقاومة الفلسطينيّة حول أنّ الأحداث الجديدة تعني اتساع بقعة الرصاص الموجّه صوب رؤوس جنود العدو ومستوطنيه، وأنه واهمٌ إن ظنّ أنّ الفلسطينيّ يمكن أن ترفع أمامه الراية البيضاء، مهما بلغت التضحيات، خير برهان على صحة ذلك.
خلاصة القول، تبقى الضفة الغربية عنوان المرحلة القادمة التي ستغير كل المعادلات على الساحة الفلسطينيّة المستعمرة من العصابات الصهيونيّة وبعض المتخاذلين، وإنّ تطور أساليب المواجهة والمقاومة في الضفة الغربية، وتأكيد الوقائع أنّ الاحتلال بدأ يفقد السيطرة باعتراف وسائل الإعلام العبرية، يعني فشل “إسرائيل” في مواجهة المقاومة بشكل آني ومستقبليّ، فالعمليات المسلحة في المنطقة تطورت وتصاعدت بشكل كبير وبصور متعددة، ولا يخفي أبطال المقاومة الفلسطينيّة أنهم لن يتوقفوا عن تنفيذ عمليات إطلاق النار التي تستهدف قوات الاحتلال والمستوطنين في مختلف مناطق الضفة الغربية المحتلة، في ظل الرغبة الشعبيّة الكبيرة بطرد الاحتلال وتلقين العصابات الصهيونيّة درساً في التحرير، ما يدل على تجذر المقاومة في نفوس أبناء الشعب الفلسطينيّ، وإيمانهم العميق بها خيارًا استراتيجيًّا للخلاص والانعتاق من الاحتلال الجاثم على صدورهم.
المصدر: الوقت
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال