كان سقوط أفغانستان على يد طالبان بمثابة زلزال هزّ دول الخليج الفارسي كافة وجعل الائتلافات التي كانت تبدو قوية حتى العام الماضي هشة وبالتالي شعرت الرياض وأبو ظبي وتل أبيب بالفراغ المترتّب على انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بنفس الشعور الذي أحست به كابول.
وحاولت دولة الإمارات العمل على رفع أهميتها الجيوسياسي في السنوات الأخيرة وبذلك لعبت دورا هاما في قضايا عدة منها خفض حدة التوتر بين إيران والولايات المتحدة، والانخراط في حرب اليمن وكذلك المساهمة في رفع حصار قطر، ولكن الآن بعد أن تزايدت مخاطر السياسة الخارجية على شکل متقلب، سعت أبوظبي إلى تغيير استراتيجيتها بهدف استخدام قوتها الإقليمية بشكل أنجع. وتحقيقا لهذه الغاية، اقتربت من القوى المنافسة لها نحو إيران وتركيا وسوريا، والتي لطالما عاملتها كأعداء.
وكانت السياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة ضد إيران دوما، حيث مارست الضغط لتشديد العقوبات ليس فقط للقضاء بشكل دائم على الآفاق النووية الإيرانية، ولكن أيضا لمواجهة برنامج إیران للصواريخ الباليستية والحد من نفوذها في الشرق الأوسط، لأن مثل هذه القدرات تجعل إيران تشكل تهديدا لها.
في حين شهدت العلاقات التركية الإماراتية توترات متزايدة على مدى السنوات الماضية بسبب قضايا مختلفة بما في ذلك دعم تركيا لقطر، وملف لیبیا، وقضایا سوریا والیمن، والاتهامات المتبادلة بالتجسس على الآخر، وتوقيع اتفاق تسوية الإمارات مع الكيان الصهيوني. كما دعمت الإمارات العربية المتحدة في الأزمة السورية الجماعات التكفيرية المعارضة لحكومة الرئيس بشار الأسد، ولكن الآن تحاول أبوظبي تغيير نهجها من السلوك العدواني للحد من المخاطر التي تواجهها وإصلاح علاقاتها الهشة.
وفيما يتعلق بتغيير أبوظبي موقفها تُذکرثلاثة أسباب رئيسية:
كانت هناك دائما حرب دبلوماسية غير مرئية لا يمكن إنكارها بين المملكة السعودية والإمارات العربية المتحدة، مما يعني أنهما في النفس الوقت الذي تتعاونان فيه بالمنطقة أو في أفريقيا، تتنافسان معا كذلك. وهُزم التحالف السعودي في حرب اليمن وغادر الإماراتيون التحالف؛ لأنه كلّف البلد مبالغ باهظة وظلت المملكة العربية السعودية وحدها وحتى الولايات المتحدة سحبت رسميا دعمها لها. وهكذا، بدأ السعوديون ينخرطون في المفاوضة مع إيران للخروج من المستنقع اليمني وإعادة التوازن إلى المنطقة خلال العمل المتضافر لتحسین الوضع، بينما لا تريد الإمارات العربية المتحدة بطبيعة الحال أن تفوتها الفرصة ولهذا السبب تحاول إصلاح علاقاتها مع إيران على مختلف المستويات.
خفت حدة التوترات بين الإمارات العربية المتحدة وتركيا بشكل ملحوظ في 30 أغسطس للعام الحالي جراء محادثة هاتفية جرت بين أردوغان وبن زايد حيث ناقش الجانبان تطوير علاقاتهما مع بعض. وبعد أسبوعين من المحادثات، توجّه مستشار الأمن القومي الإماراتي “طحنون بن زايد” إلى تركيا والتقى بأردوغان في أنقرة، وعقب زیارتهما تم توقيع اتفاقيات اقتصادية جديدة بين البلدين.
وفيما تدخل سوريا مرحلة إعادة الإعمار بعد أزمة دامت 10 سنوات وتحتاج حاجة ماسة إلى مساعدات دولية، فإن دولة مثل الإمارات العربية المتحدة بناء على مصالحها الاقتصادية ونظرا لحجم صندوقها الاستثماري ووجود مواطنين مستثمرين وقادرين ماليا، تريد التمتع بالساحة السورية بهدف الاستثمار فيها وأن تحرز قصب السبق في تنفيذ جزء من مشاريع إعادة إعمارها قبل أن ترغب تركيا وقطر في اتخاذ أي إجراء بشأن هذه المسألة.
كانت لدی کل من الإمارات وسوريا مواقف متضاربة مع جماعات مثل الإخوان المسلمين على مر السنين. وفي هذا السياق، يصح القول إن الإمارات تستخدم هذه النقطة المشتركة بمرافقة حكومة سوريا لمساعدة نظامها السياسي الحالي بمنع جماعات الإخوان المسلحة أو العنيفة من القدوم إلى السلطة في هذه المنطقة.
وفي نهاية المطاف، جدیر بالذکر أن قيام الإماراتيين بتغيير جذري لنهجهم يرجع إلى أن أبوظبي تريد إظهار قدرتها على البحث عن شركاء آخرين، بینما لم تكن دولة الإمارات العربية المتحدة بعد لاعبة عظيمة على الساحة الإقليمية تقدر على وقف الصراع الإقليمي أو تواظب علی نفسها من الانجرار إلیه، لذلك تخلت بذكاء عن سياساتها السابقة وأعادت العلاقات مع الدول الإقليمية المؤثرة والقوية.
المصدر ؛iuvmpress.news
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال