مطمئنا، يجلس آية الله العظمى الإمام السيد علي خامنئي على كرسيه. حركاته وسكناته تتدفق من نبع داخلي تتفجر منه طهرانية ثورية تغتذي من غمام قادم من سماء أخرى وفضاء آخر.
الهيئة الخارجية بإشاراتها السيميولوجية: مهابة العباءة الحوزوية الكستنائية . رصانة العمامة التاجية السوداء . رمزية الكوفية الثورية على كتفيه. طهرانية اللحية المشذبة . نورانية الوجنات الزهرية . يمشي القائد الخامنئي أمام الاستعراضات العسكرية الكبرى، يحيط به ثلة من كبار الجنرالات وفي يده عصا موسى تشق بحر الطغيان، وفي إصبعه خاتم سليماني يستدعي أزمنة غابرة ويدمجها في لحظة كونية طليقة من أسر الزمن التاريخي ويستولد زمنا حضاريا كثيفا يحتضن كل الأزمان.
تضج شخصية السيد القائد بإشارات تحتفي بالجمال والفضيلة والكرامة الإنسانية وتنكر الخضوع والخنوع، وكلها إشارات تشي بإطلالة من نوع آخر، وبقائد مختلف من طراز نادر متحدر من زمن آخر، هو زمن الأنقياء وحراس القيم لذا بدا لأعدائه قبل محبيه متفرد النسيج وكأنه نسيج وحده.
تدرج الإمام القائد السيد علي خامنئي في صفوف الجهاد منذ أيام التظاهرات والبيانات الثورية المناوئة للنظام الشاهنشاهي في مدينة مشهد منذ ستينيات القرن الماضي، دخل الى السجون الطاغية ليخرج منها عضواً لمجلس قيادة الثورة مع السيد بهشتي والشهيد مطهري ورجائي ورفسنجاني وآخرين، ليغادر مشهد ويتوجه إلى طهران، ومن هناك يتابع نشاطه القيادي الذي أسفر عن سقوط النظام البائد، ويتم انتخابه رئيساً للجمهورية خلفا للشهيد رجائي عام ١٩٨٠ حاصدا ١٦ مليون صوت من أصل ١٧ مليون، ليكون ثالث رئيس للجمهورية، ويعاد انتخابه مرة ثانية من عام ١٩٨٥– ١٩٨٩، وينتخب قائدا للثورة بعد وفاة الإمام الخميني قبل انتهاء هذه الفترة. كما أعلنت مرجعيته من قبل جمعية مدرسي قم العلمية، فأصبح الولي الفقيه جامع الشرائط في العام ١٩٩٤.
في عام ٢٠١٢ اختارته مجلة فوريس ضمن قائمة تضم ١٩ شخصية أكثر نفوذا وتأثيرا في العالم.
في اطلالاته المتنوعة يتحدث في المجالات المعرفية المتعددة مقدما نموذجاً حيا للمرجعية الرشيدة المنفتحة على قضايا العصر.
تميزت قيادة الإمام الخامنئي منذ توليه رئاسة الجمهورية بمزايا قيادية باذخة لا يتسع المجال لذكرها إلا أننا نكتفي بتعداد أبرزها كالرؤية الواضحة والشجاعة والكاريزما والنزاهة والتنبؤ بالمستقبل والتخطيط الإستراتيجي.
على مستوى الرؤية الواضحة قلما تجد رؤية أوضح من الرؤية الثورة الإسلامية في إيران لحقيقة الصراع مع الاستكبار منذ الأيام الأولى للثورة بزعامة الإمام الخميني الذي أرسى قواعد هذا الرؤية وكان القائد الخامنئي أبرز تلامذته المتمسكين برؤيته والمعتقدين بأحقيتها.
ومن ناحية الشجاعة فقد أثبتت التجارب مدى شجاعته واستعداده لتحمل المصاعب في هذا الطريق منذ أيام الإعتقال والتعذيب ومحاولات الاغتيال، وحتى اللحظة الراهنة بكل ثقل الضغوط والتهويل والحصار.
ولناحية الكاريزما فهيبة القائد الخامنئي هي هيبة حقيقية، وليست هيبة مصطنعة قائمة على التخويف والقمع والمجازر، وانما هي نابعة من ثقته برؤيته وإيمانه بأحقية قضيته، الأمر الذي مكنه من تقبل الآراء المعارضة مهما كانت مختلفة.
ومن الصفات القيادية التي يمتاز بها الإمام الخامنئي بالنزاهة فالرجل مشهود له بالنزاهة ونظافة الكف والزهد في الدنيا، يقول السيد الخامنئي عن الفترة الأخيرة من رئاسته لرئاسته للجمهورية: "إن عملي منوط بأمر الإمام فلو كلفني بتولي أي منصب كان حتى لو كان منصبا عاديا جداً في اي مكان في الدولة فكلي سمعا وطاعة، وان لم يكلفني بشيء فسأطلب منه أن يسمح لي بأن أتفرغ لإدارة الشؤون الثقافية".
كما تميز القائد بقدرته على التنبؤ بالمستقبل، وهذا ما أثبتته لا سيما في القضية الأولى التي تهم إيران والعالم، وهي قضية الملف النووي ورؤيته لهذه القضية المركزية واخباره مسبقا بمستقبل هذا الملف الخطير، وبتنصل الإدارة الأمريكية من التزاماتها عند توقيع الاتفاق الشهير في عهد الرئيس حسن روحاني،
كما أثبتت الأيام أنه يمتاز بالتخطيط الاستراتيجي، وهذا ما تجلى واضحاً في صمود إيران كل تلك الفترة منذ انتصار الثورة عام ١٩٧٩ ضد كل مؤامرات الاستكبار العالمي.
تستدعي شخصية السيد القائد الخامنئي قراءة سيكولوجية متأنية بعيدة عن النظريات الجاهزة التي تحظى بشغف مناساباتي موسمي، وتستنبت أسئلة رصينة تذيب الأزمنة التاريخية المتباعدة منذ أيام الرسالة المحمدية وامبراطوريات العالم القديم وحتى يومنا هذا.
يقود الإمام الربان سفينة المستضعفين في العالم في أصعب مهاوي ومزالق المتغيرات الدولية ولا يعبأ بعواصف التهديدات وأنواء التهويلات وهو في غاية الطمأنينة من اين تراه جاء بكل هذا الاطمئنان؟
المصدر: العهد
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال