الاستهداف الأمريكي للعراق.. الصراع مفتوح حتى إخراج قوات الاحتلال
ما زال الوجود الأمريكي تحت ذريعة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي، في العراق وسوريا، مصدر تهديد سيادي، وموضع إثارة أزمات على مختلف الصعد، إذ تعمل الولايات المتحدة على استهداف كل المكونات التي لا تسير وفق الإيديولوجيا الحاكمة للوجود الأمريكي في المشرق العربي.
تدرك الولايات المتحدة أن وجودها واستراتيجيتها في منطقة الشرق العربي لا تلقى قبولا عند شعوب تلك الدول، بمن فيها القيادات الشعبية، ولا حتى عند حكوماتها، فتشكَّلَ بصورة تلقائية من الاصطفاف في خانة الرفض هذا، محور مواجه للأمريكيين، برزت منه أطراف وجهات ذات مرجعيات قيادية منظمة، تعمل لخدمة أجندات وطنية وسياسات تحافظ على السيادة الوطنية والاستقلال، وتحارب التبعية والاستغلال بكل أشكاله.
لم يرق للأمريكيين نشوء هذا المحور المقاوم لهم ولوجودهم في بعض البلاد العربية، فعملت الولايات المتحدة وما تزال على استهداف هذا المحور وأنشطته في أي مكان يكون فيه، وكان الاستهداف الأخير بالطيران المسير لمركبة قيادات في الحشد الشعبي ضمن المربع الأمني لوزارة الداخلية شرق بغداد، والذي أسفر عن استشهاد نائب قائد عمليات بغداد آمر اللواء 12 في الحشد الشعبي "أبو تقوى السعيدي" ومرافقه، وعدد من عناصر الحشد الشعبي، وإصابة 6 آخرين، وفق ما أفادت مصادر أمنية عراقية.
إن هذا الاستهداف الأمريكي للجسد المقاوم في العراق ودول أخرى، يثير على الدوام الاستياء، والاستنكار لدى المواطنين، ويمهد الطريق بما لا يترك المجال للشك إلى حالة من رد الفعل قد تتعاظم، لتصل مراحل لا تحمد عقباها، فبدأ الرد بالاستنكار، ثم الرد باستهداف المصالح الأمريكية في المنطقة، وحتى وصل الأمر إلى المطالبة بطرد الأمريكي من البلاد، وانتقال هذا المطلب من الحالة الشعبية إلى المجهود الحكومي كما يحصل في العراق الآن.
إن هيئة الحشد الشعبي في العراق أكدت أنّ "العمل الإجرامي الأمريكي"، الذي استهدفها، هو اعتداء على السيادة العراقية والسلطات الأمنية، ونسف لكل القوانين والأعراف الدولية، مشيرة إلى أنّ "هذا التصعيد الخطير يعبّر عن إصرار مكشوف على انتهاك السيادة".
وقد دعا الأمين العام لعصائب أهل الحق، قيس الخزعلي، الحكومةَ العراقية إلى "اتخاذ خطوات حاسمة لإنهاء ما يسمى التحالف الدولي في العراق"، محمّلاً القوات الأمريكية، "التي ارتكبت هذه الجريمة الإرهابية، المسؤوليةَ الكاملة عن انتهاكها السيادة العراقية".
خطورة الاستهدافات المتكررة
يرى خبراء أمنيون واستراتيجيون أن الجانب الأمريكي بدأ في توسيع عمليات الاستهداف، وأن ما حدث هو متغير جديد غير في قواعد الاشتباك، فمن المتوقع أن يكون هناك رد فعل متواصل على المصالح الأمريكية في العراق.
وتنشر واشنطن 2500 عسكري في العراق ونحو 900 في سوريا في إطار مكافحة تنظيم الدولة ضمن التحالف الدولي الذي أنشئ في عام 2014، لذا فإن الأصابع تشير مباشرة وبشكل تلقائي عند استهداف المقاومين في المنطقة إلى الأمريكي، لكن هذه الإشارة ليست عابرة، فالأمريكي سيدفع ثمن أفعاله.
إن الاستهداف لاقى ردود فعل كثيرة وغاضبة، بدأت بالتنديد واستمرت حتى المطالبة بطرد الأمريكي من العراق، فالرئاسة العراقية، في بيان صحفي لها أدانت بشدة العدوان، وعدته خرقا وتجاوزا على سيادة العراق وأمنه، وانتهاكا صريحا للعلاقات بين العراق والتحالف الدولي، وأن القصف مخالف للأطر والمسوغات التي وجد من أجلها التحالف في تقديم المساعدة والمشورة للقوات الأمنية العراقية.
أما هيئة الحشد الشعبي في العراق فقد أكدت جهوزيتها لتنفيذ أي أمر من القائد العام للقوات المسلحة يحفظ سيادة العراق ووحدة أراضيه وسلامة أبنائه، فهذا التصعيد المتعمد والخطير يعبر عن إصرار مكشوف على انتهاك السيادة والقانون العراقي النافذ، وهو استهانة بالدماء العراقية وكرامة العراقيين".
وفي 5 يناير/كانون الثاني 2024، انتقل العراق إلى مراحل متقدمة في الرد على الاعتداءات، فقد أفاد بيان لمكتب رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني بأن الحكومة تشكل لجنة ثنائية لتحديد ترتيبات إنهاء مهمة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة في البلاد.
وقال البيان "إننا بصدد تحديد موعد بدء الحوار من خلال اللجنة الثنائية التي شُكلت لتحديد ترتيبات انتهاء هذا الوجود، وهو التزام لن تتراجع عنه الحكومة، ولن تفرط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض وسماء ومياه العراق".
وأكد السوداني أنه لن يكون هناك تفريط بكل ما من شأنه استكمال السيادة الوطنية على أرض العراق وسمائه، مشيرا إلى أنه قبل أربعِ سنوات، وفي فجر الثالث من كانونَ الثاني/يناير 2020، ارتكبتِ الإدارة الأمريكية فعلا شنيعا إذ قتلت قائدا عسكرياً عراقياً، نائبَ رئيسِ هيئةِ الحشدِ الشعبي جمال جعفر آل إبراهيم، أبو مهدي المهندس.
وأضاف رئيس الوزراء العراقي قائلا ان: اغتيال ضيف العراق الجنرال قاسم سليماني، مثلَ ضربةً مضاعفةً للعراق ولتقاليده وأعرافه واعتداءً على دولتين.
يرى مراقبون أن المواقف التي أدلى بها رئيس الوزراء العراقي في الذكرى الرابعة لاغتيال قادة النصر، بأنها غير مسبوقة، كما أنها تعكس شجاعة السوداني في حماية السيادة العراقية. فلأول مرة يقوم رئيس حكومة العراقية بالتذكير بأن اغتيال “ضيف العراق” جريمة تمثّل عدواناً على سيادة العراق.
ختاماً يمكن القول إن هناك حاجة لدعم الحكومة العراقية بخططها وتفهم التعقيدات السياسية التي تعترض عمل الحكومة الحالية والتي تحتاج إلى دعم للإسراع بتنفيذ قرارها الشجاع في إنهاء التواجد العسكري الأمريكي وذلك بالتأكيد بالتعاون مع فصائل المقاومة لتنفيذ قرار ينتظره العراقيون منذ جريمة اغتيال قادة النصر.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال