الاقتداء بملحمة عاشوراء وتكريم ذكرى الشهداء ودورهما في مواجهة استبداد حكومة بهلوي وانتصار الثورة الإسلامية 18

الاقتداء بملحمة عاشوراء وتكريم ذكرى الشهداء ودورهما في مواجهة استبداد حكومة بهلوي وانتصار الثورة الإسلامية

كان لأيام محرم وصفر بكل أبعادها أثر كبير في انتصار الحق على الباطل عبر التاريخ، وذكرى الأربعين هي أحد الأبعاد التي تهدف إلى إحياء ملحمة عاشوراء، وعلى الرغم من أنها جزء من هذه الملحمة، لكن كان لها وقع مؤثرفي نجاح العديد من النضالات ضد القمع والاستبداد. كما تأثر نضال الأمة الإيرانية ضد النظام البهلوي وانتصار الثورة الإسلامية الإيرانية، بثورة سيد الشهداء والأربعين الحسيني.

وظهرت بوادر الثورة الإسلامية المستوحاة من تعاليم حركة عاشوراء في أيام محرم والحداد علي الإمام الحسين (ع). وعلى مدى سنوات من 1342 إلى 1357 الشمسیة، اتخذت مجالس البكاء على الحسين (ع) في محرم وصفر ومنابر الوعظ ورثاء أجواء سياسية وثورية. والرؤية السياسية لحادثة كربلاء وأخذ العبرة من ثورة عاشوراء كانا بمثابة قدوة احتذى بها الإمام الخميني في دعوة الشعب للقتال ضد حكومة بهلوي. من وجهة نظره، لم تكن عاشوراء مجرد حدث تاريخي، وهذه النظرة الخاصة لانتفاضة الإمام الحسين (ع) أصبحت محور تعبئة قوى الناس ضد النظام الاستبدادي.

وهكذا باتت المساجد والتكايا والخيام المخصصة لإقامة مراسيم عزاء الإمام الحسين (ع)، أهم الأماكن للنشاط الثوري وإيقاظ الناس من فساد حكومة بهلوي، ونُظمت من هذه الأماكن مسيرات ومظاهرات وأنشطة ثورية.

وكانت ثقافة عاشوراء من أهم العوامل المؤثرة في النضال ضد نظام بهلوي. ووصلت الثقافة هذه إلی ذروتها في مراسیم محرم الحرام وصفر في عامي56-57 حيث تحول خلالها مراسم العزاء إلى مسيرة سياسية أشبه بالاستفتاء ووجهت ضربات قاسية في وجه النظام. وأصبحت المراكز في هذه الايام، مثل الحسينيات ومنابر المساجد شبكات مهمة لتجمعات سياسية ضد النظام البهلوي الاستبدادي.

ومن بين الحركات الأكثر فاعلية للثوار في تحقيق النصر، هي إحياء ذكرى الشهداء بعد مرور أربعين يوما على استشهادهم. وكان للمراسيم مظهر متوهج في مجرى الثورة الإسلامية في عامي 57-56، حيث استفاد الشعب الإيراني المفجع  من  هذه الطريقة بشكل جيدً لإظهار معارضته لنظام بهلوي القمعي، وأبقى الانتفاضة ضد الشاه تحيا من خلال إقامة ذكرى الأربعين على رحيل الشهداء، بحيث انتفض أهل تبريز لإقامة ذكرى الأربعين على رحيل شهداء قم في مأساة 9 يناير 1978، لكن تكررت المأساة نفسها في تبريز على يد مرتزقة شاه، وثانیة انتفض أهالي يزد لإقامة ذكري الأربعين لرحيل شهداء تبريز و….

وصادفت الأربعين الحسيني في عام 1979، الأيام الأولى لخروج محمد رضا شاه من إيران وتشكيل المجلس الملكي، الذي غادر إيران في 16 يناير/ كانون الثاني 1979، وفي 19 يناير، الذي تزامن مع الأربعين الحسيني، نظم الشعب الإيراني مسيرات كبيرة في مدن مختلفة بدعوة من الإمام الخميني، من أجل تدمير الأمل الضئيل الذي خلفه نظام بهلوي في العودة إلى السلطة.

وذكَر الإمام الخميني في هذه الرسالة: “هذا العام، تزامن الأربعين الحسيني مع ذكرى الأربعين لأتباع وشيعة بطل الإسلام العظيم وكأن دماء شهدائنا امتداد للدم الطاهر لشهداء كربلاء، وذكرى مرور أربعين يوما على إخواننا (الشهداء) هي انعكاس لذكرى استشهاد هؤلاء الأبطال (في كربلاء)، حيث سجل دمهم النقي نهاية حكم يزيد المستبد، كما قضى دم شبابنا النقي على جکومة بهلوي الطاغية؛ الأربعين للسنة هذه استثنائية ومثالية وتنطيم المسيرات والمظاهرات الحماسية فيها هي واجبنا  الديني والوطني”.

اعتبر مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية مشاركة الناس في مراسيم الأربعين في عام 1979 بمثابة دفن النظام البهلوي ومعارضة المجلس الملكي، وأشار: “الأمة العظيمة في جميع أنحاء إيران تدفن هذا النظام بمسيراتها ومظاهراتها وتعلن معارضتها للمجلس الملكي الذي يفتقر إلی الشرعیة، كما تعلن دعمها للجمهورية الإسلامية عدة مرات.”

لذلك، في ذلك العام، لیس فقط مدينة واحدة فقط، بل أيضًا عدة مدن حولت الأربعين إلی مظاهرات واسعة ضد النظام البهلوي ورددوا فیها شعار الاستقلال والحرية والحكم الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك، شارك أناس من ديانات وطوائف أخرى في مسيرة الأربعين في عام 57؛ على سبيل المثال، سار 500 يهودي حاملين لافتات كُتب عليها “تحية للخميني والموت للشاه”.

في واقع الأمر، لا بد من القول إن الإسلام كان العامل الأساسي في انتصار الثورة الإسلامية في إيران. لأن الاقتداء بالإسلام وأحداثه المهمة، لا سيما انتفاضة عاشوراء، كان له تأثير مباشر على تحقيق الثورة الإسلامية. ولطالما كانت الأربعين والاحتفال بهذا اليوم عبر التاريخ يعبران عن الاشمئزاز من الاضطهاد والظلم، ومن الواضح أن هذا هو سبب معارضة الحكام المستبدين للاحتفال بهذا اليوم، لكن المسلمين بطرق مختلفة  أزالوا القيود ولم یسمحوا أبدا أن يُنسى مثل هذه التقاليد تماما، مهما تقادم عليها الزمن. في إيران كذلك، لم يسمح النظام البهلوي بالاحتفالات الدينية، لكن المسلمين والمعتنقون لأهل البيت (عليهم السلام) لم يتخلوا عن إقامة مراسيم محرم وصفر والأربعين رغم كل القيود، وكان هذا عاملاً في إحياء روح الحرية والمطالبة بالعدالة للشعب ومواجهة استبداد حكومة بهلوي، ونتيجة لذلك انتصرت الثورة الإسلامية.

المصدر ؛iuvmpress.news

لا توجد تعليقات لهذا المنصب.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال