306
في أعقاب زيارة فلاديمير بوتين للصين وُقِّعت مؤخرًا مذكرة تفاهم بين روسيا والصين لبناء خط أنابيب "قوة سيبيريا 2". وتستند الخطط إلى أن هذا الخط الذي يمر عبر منطقة يامال الروسية سينقل الغاز الطبيعي بسعة تزيد عن 50 مليار متر مكعب إلى شمال الصين عبر منغوليا.[1]
يُعدّ توقيع مذكرة التفاهم القانونية بين البلدين لبناء خط أنابيب " قوة سيبيريا 2" دليلاً واضحاً وجلياً على جهود روسيا الرامية إلى استبدال سوق الغاز الأوروبية بسوق شرق آسيا. وبهذه الطريقة لن يُعزز تحالف الطاقة بين روسيا والصين العلاقات الاقتصادية بين البلدين فحسب بل سيُعزز أيضاً الأبعاد الجيوسياسية لتعاونهما على المستوى الاستراتيجي. تُعدّ هذه الخطة رسالةً واضحةً من موسكو إلى الغرب مفادها أن روسيا تُرسّخ مكانتها في سوق الطاقة الآسيوية وخاصةً في شرق آسيا ولم تعد بحاجة إلى أوروبا. يعكس هذا التحوّل تغیراً في ميزان القوى حيث تُفسح الصين وهی الشريك الاستراتيجي طويل الأمد لروسيا، المجال أمام مشتري الغاز الأوروبيين. إضافةً إلى ذلك يُمثّل المشروع إعادة تعريفٍ للعلاقات متعددة الأطراف بين القوتين العظميين، مُثبتاً أن الطاقة ليست مصدر دخل فحسب بل هي أيضاً أداةٌ للقوة الناعمة والتأثير الجيوسياسي، ويمكن أن تلعب دوراً محورياً في تشكيل نظام الطاقة الجديد في العالم[2]. وكما ذُكر سابقاً فإنّ الطاقة السنوية لهذا الخط، والبالغة 50 مليار متر مكعب يُمكن أن تُعوّض جزءاً من فقدان روسيا لصادراتها إلى أوروبا ومن وجهة نظر الكرملين تُعتبر الصين "عميلاً موثوقاً به ومُنسجماً سياسياً" كبديلٍ أكثر أماناً للأسواق الغربية. وقد انخفضت الصادرات بشكلٍ كبيرٍ في أعقاب العقوبات الغربية وتدهور علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبي. في هذا السياق، لا يُعدّ مشروع "قوة سيبيريا 2" مجرد طريق تصدير لروسيا بل يُعدّ أيضًا درعًا اقتصاديًا وأداة جيوسياسية في مواجهة الضغوط الغربية. ويُمثّل هذا التحول بنيةً جديدةً في خريطة الطاقة متعددة الأقطاب تجعل من الصين المحور الرئيسي لصادرات الطاقة الروسية.[3]
ولكن في حالة منغوليا تجدر الإشارة إلى أن الطريق عبر هذه المنطقة لن يعود بفوائد اقتصادية على هذا البلد فحسب، بل سيجعله أيضًا حلقة وصل حيوية في سلسلة نقل الطاقة في شرق أوراسيا. ومع ذلك لا تزال التصاريح البيئية واتفاقيات النقل قيد المراجعة. وفي هذه الخطة ستمرّ خطوط نقل الغاز من منطقة يامال الروسية عبر الأراضي المنغولية. وستجلب المنطقة المعروفة باسم (سويوز فوستوك) فوائد اقتصادية من خلال رسوم النقل وخلق فرص العمل للبلاد. ومع ذلك لم تُدرج الحكومة المنغولية المشروع رسميًا بعد في خطتها الوطنية للتنمية حتى عام 2028 مما يُشير إلى شكوك حول إعطاء الأولوية لهذه الخطة على المدى القصير.[4]
في الوقت نفسه يرى العديد من المحللين أن مشروع "سيبيريا 2" قد يُحوّل منغوليا من دولة غير ساحلية إلى منطقة استراتيجية تربط الصين وروسيا. من ناحية أخرى يرى آخرون أنه حتى في حال إتمام الاتفاق، سيستغرق التنفيذ الكامل للمشروع وقتًا. ويرجع ذلك إلى عدم اتخاذ القرارات والاتفاقات النهائية بعد بشأن قضايا مثل سعر البيع وطريقة توزيع الاستثمار ونموذج التمويل وتوقيت تنفيذ المشروع مما يُبطئ تنفيذه. ووفقًا للتوقعات سيُؤجل بدء تصدير الغاز عبر مسار "قوة سيبيريا 2" إلى عامي 2030 و2031 وسيكون من الممكن تحقيق سعة النقل بالكامل وبشكل مؤكد في عام 2035. بالإضافة إلى هذه التحديات الاقتصادية فإن المنافسة المتزايدة من الصين على تنويع إمداداتها من الطاقة ووجود موردين جدد مثل تركمانستان وقطر تُزيد من غموض هذا المشروع.[5]
بشكل عام يُعد مشروع "قوة سيبيريا 2" أكثر من مجرد مشروع بنية تحتية. يُعدّ هذا المشروع بيانًا جيوسياسيًا ورمزًا للتغيير في دبلوماسية الطاقة العالمية. بهذه الخطوة لا تسعى روسيا فقط إلى تعويض سوقها الضائع في أوروبا، بل تسعى أيضًا إلى إعادة تحديد مكانتها في سلسلة إمدادات الطاقة الدولية حيث تُصبح الصين المحور الرئيسي للتفاعلات مع موسكو. وبدورها تُعزز بكين أمنها الطاقي على المدى الطويل من خلال الاستفادة من الموارد الروسية. لذلك من الواضح أن "قوة سيبيريا 2" تُجسّد توجه روسيا الحاسم نحو الشرق وتُشكّل ترابطًا اقتصاديًا واستراتيجيًا من شأنه أن يُغيّر موازين القوى في سوق الطاقة العالمي لسنوات قادمة.
نويد دانشور
[1] /https://www.reuters.com/business/energy/what-is-russias-power-siberia-pipeline-2-china-2025-09-02
[2] /https://www.reuters.com/business/energy/what-is-russias-power-siberia-pipeline-2-china-2025-09-02
[3] https://www.csis.org/analysis/how-power-siberia-2-deal-could-reshape-global-energy
[4] https://www.intellinews.com/mongolia-omits-russia-to-china-power-of-siberia-2-pipeline-project-from-action-plan-for-years-ahead-339259
[5] https://www.reuters.com/business/energy/russias-pipeline-deal-with-china-seen-taking-decade-boost-exports-2025-10-07
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال