التحالف غير المقدس؛ العلاقة المعقدة بين الموساد وجهاز المخابرات التركية
تعمل وكالات الاستخبارات غالبًا في الخفاء وفي السر، على عكس المبادئ الدبلوماسية المتعارف عليها وتكون اتصالاتها وعلاقاتها دائمًا عرضة لتقلبات عديدة. إن العلاقة بين الموساد الإسرائيلي ومنظمة الاستخبارات الوطنية التركية "ميت" تعتبر نموذجًا بارزًا عن هذا العالم الغامض والمليء بالأسرار، حيث تتأثر هذه العلاقة بالتعاون غير المستقر والمنافسات المستمرة مما يجعل تقلبات العلاقات سمة بارزة لهذا النوع من العلاقات. كما إن العلاقة بين الموساد وميت التركية التي تشكلت في سياق التحولات الجيوسياسية في غرب آسيا غالبًا ما تتأثر بالاعتبارات السياسية والعسكرية.
التعاون خلال الحرب الباردة والضرورات الاستراتيجية
ترجع جذور التعاون بين الموساد وميت إلى فترة الحرب الباردة حين كانت كل من إسرائيل وتركيا تتماشيان مع القوى الغربية بما يخدم مصالحهما الاستراتيجية. على الرغم من الاختلافات العميقة في الجوانب الدينية والإيديولوجية وكانت إسرائيل تمثل نظام التمييز العنصري اليهودي في منطقة يهيمن عليها المسلمون، بينما كانت تركيا دولة ذات نظام سياسي علماني ولكن تسودها أغلبية مسلمة. وكانت المخاوف المشتركة بشأن انتشار الشيوعية والحركات القومية العربية قد قربت بينهما مما أوجد الظروف لتبادل المعلومات بين المنظمتين.(1)
أعطى انتهاء الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي روحًا جديدة للعلاقات بين تل أبيب وأنقرة. فبعد توقيع اتفاقيات أوسلو عام 1993 بدأت تركيا في تعزيز علاقاتها مع إسرائيل، مما أدى إلى توقيع العديد من الاتفاقات العسكرية والاستخباراتية؛ وكانت هذه الإتفاقات تعود بالفائدة على كلا الطرفين: إذ حصلت إسرائيل على حليف استراتيجي في المنطقة ونجحت تركيا في تعزيز موقعها الإقليمي باستخدام التكنولوجيا العسكرية المتقدمة والقدرات الاستخباراتية الإسرائيلية.
إن أحد المجالات الحيوية لهذا التعاون كان صراع الجيش التركي ضد الأقلية الكردية في شرق وجنوب شرق تركيا. ويُزعم أن الموساد قد قدم معلومات لتركيا لمواجهة حزب العمال الكردستاني PKK الذي كان في ذلك الوقت يحمل توجهات معادية للصهيونية وهو التهديد الذي اعتبرته كل من أنقرة وتل أبيب خطرًا كبيرًا.(2) وقد بلغ ذروة هذا التعاون في فبراير 1999، مع اعتقال عبدالله أوجلان زعيم حزب PKK، في نيروبي وهو الاعتقال الذي تحقق بفضل المعلومات التي قدمها الإسرائيليون لأنقرة.(3)
سفينة مرمرة وفترة ركود في العلاقات بين الموساد وميت
على الرغم من وجود مصالح عديدة في التعاون الاستخباراتي بين الجانبين واجهت العلاقات بين الموساد وميت أزمات شديدة. وكان أكبر انقسام بين هاتين المنظمتين قد حدث في عام 2012، عندما قيل إن تركيا قد كشفت شبكة التجسس الإسرائيلية في إيران.(4) وكانت التقارير تشير إلى أن ميت قد زودت السلطات الإيرانية بمعلومات عن عشرة مواطنين إيرانيين التقوا بمسؤولين من الموساد في تركيا.(5)
وقد اعتبر المراقبون هذا الإجراء من جانب تركيا بمثابة انتقام من إسرائيل وكذلك خطوة من تركيا نحو التقرب من إيران، في أعقاب التوترات المتزايدة مع إسرائيل بعد حادثة السفينة "مرمرة" الدموية في 31 مايو 2010، التي كان من المفترض أن تنقل خلالها مجموعة من نشطاء حقوق الإنسان مساعدات إنسانية عبر البحر الأبيض المتوسط إلى قطاع غزة لكنها تعرضت لهجوم من قبل البحرية الإسرائيلية مما أسفر عن مقتل تسعة مواطنين أتراك.
أظهر الكشف عن شبكة التجسس الإسرائيلية في إيران بوضوح أن الأزمات الدبلوماسية يمكن أن تنتقل بسرعة إلى المجال الاستخباراتي مما يؤثر سلبًا على التعاون السابق.
المواجهة بين منظمتين خطيرتين: بداية عصر جديد من التجسس ومكافحة التجسس
في العقد الماضي دخلت علاقات الموساد وميت مرحلة جديدة من التوترات المتزايدة، ترافقت مع اتهامات بالتجسس وإجراءات لمكافحة التجسس. في عام 2021 اعتقلت السلطات التركية خمسة عشر شخصًا بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وهي خطوة بارزة زادت من تدهور العلاقات المضطربة بين أنقرة وتل أبيب.(6) هؤلاء الأشخاص اتُهموا بجمع معلومات عن الجماعات الفلسطينية والطلاب الأجانب في تركيا، مما يدل على الانتباه المتزايد ل ميت نحو تحييد التجسس الأجنبي في أراضيها.
الموساد وميت: كسر الجمود في التعاون الاستخباراتي لمواجهة إيران
على الرغم من التوترات السياسية والدبلوماسية القائمة، بدأ التعاون الاستخباراتي بين الموساد الإسرائيلي وميت التركية فصلًا جديدًا. وكان أحد المجالات الرئيسية لهذا التعاون هو مواجهة انتشار نفوذ إيران في غرب آسيا. في السنوات الأخيرة وخاصة مع زيادة الوجود الإيراني في سوريا والعراق ولبنان واليمن حظيت هذه المنظمتان بتعاون متزايد لمواجهة التوسع الطبيعي في مجال تطور النفوذ الإيراني.(7)
تطرح العلاقة بين الموساد وميت أسئلة أخلاقية هامة بين النخب السياسية على المستوى الدولي. وقد واجهت كلتا المنظمتين انتقادات دولية بسبب أساليبهما القاسية، فقد واجه الموساد الذي يحمل تاريخًا من اغتيال الشخصيات البارزة الفلسطينية واللبنانية والإيرانية، ردود فعل شديدة من منظمات حقوق الإنسان حيث يمكن أن تؤدي هذه الأعمال الإرهابية إلى زعزعة السلام والاستقرار في المنطقة.(8)
من ناحية أخرى أفاد تقرير منظمة هيومن رايتس ووتش أن ميت قد قامت بقمع شديد للمعارضة السياسية والصحفيين بعد الانقلاب الفاشل في تركيا عام 2016، مما أثار اتهامات واسعة ضد نظام أردوغان لكن هل ساعد الموساد في كشف خطة الانقلاب من قبل مناصري فتح الله غولن لـ ميت؟ هذا سؤال لا يمكن إعطاء إجابة قاطعة عليه حتى الآن.
الصداقة والاتحاد من جديد؟
تشير التقارير الأخيرة إلى تحسن ملحوظ في العلاقات بين وكالة الاستخبارات الوطنية التركية "ميت" والموساد الإسرائيلي. في نوفمبر 2022 تبين أن الوكالتين قد وقعتا سراً اتفاقًا لمتابعة ما تصفانه بشكل مضلل بنشاطات استخباراتية إيرانية في تركيا.(9)
تعد هذه التطورات جزءًا من عملية أوسع لتحسين العلاقات بين تركيا وإسرائيل. في مارس 2022، قام رئيس إسرائيل إسحاق هرتسوغ بزيارة تاريخية إلى أنقرة وهي الأولى لرئيس إسرائيلي إلى تركيا منذ 15 عامًا وتعكس هذه الزيارة جهودًا استمرت عامين لإعادة بناء العلاقات الثنائية التي كانت قد تدهورت في السنوات الماضية.
نويد دانشور قرباني
1. Kanat, K. B. (2016). Turkish-Israeli relations during the Cold War: The myth of a long 'special relationship'. Penn State University, School of Humanities & Social Sciences. Also SEE: https://www.jewishvirtuallibrary.org/turkey-israel-relations.
2. https://www.middleeastmonitor.com/20230801-turkiye-cancelled-human-intelligence-deal-with-israel-in-2010-new-book-reveals
3. https://time.com/archive/6910967/behind-ocalans-capture-deceit-abduction-and-the-mossad
4. https://www.reuters.com/article/world/turkey-revealed-israeli-spy-ring-to-iran-report-idUSBRE99G0LC
5. https://www.washingtonpost.com/opinions/david-ignatius-turkey-blows-israels-cover-for-iranian-spy-ring/2013/10/16/7d9c1eb2-3686-11e3-be86-6aeaa439845b_story.html
6. https://www.timesofisrael.com/turkish-media-publishes-photos-of-15-men-arrested-as-alleged-mossad-spies/
7. https://www.intelligenceonline.com/government-intelligence/2022/11/11/behind-the-new-deal-between-turkey-s-ميت-and-the-mossad also SEE: https://www.washingtoninstitute.org/policy-analysis/israeli-turkish-cooperation-full-steam-ahead
8. https://www.stimson.org/2024/israeli-assassinations-in-iran-and-lebanon-put-iraqs-stability-in-further-peril/
9. https://nordicmonitor.com/2022/08/iran-desk-in-turkish-intelligence-agency-ميت-gutted-by-erdogan-government
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال