التعاون الأمني بين طهران والرياض حول السلام والاستقرار في المنطقة
لطالما كانت إيران والمملكة العربية السعودية كدولتين قوتين مؤثرتين في العالم الإسلامي محط اهتمام في منطقة غرب آسيا والخليج الفارسي، حيث يعتقد كل منهما بوجود دور بارز له في مجريات التحولات الإقليمية. ومع ذلك فإن العلاقات بين الدولتين شهدت تقلبات متعددة منذ انتصار الثورة الإسلامية وحتى اليوم. لقد تميزت السعودية بسبب بنيتها الاجتماعية والثقافية الخاصة عن بقية دول المنطقة وحتى الدول المجاورة لها في الخليج الفارسي الجنوبي و أدت المجتمعات القَبلية والعشائرية في السعودية إلى نشوء ثقافة فريدة، و تمتلك السعودية نحو ربع احتياطيات النفط المثبتة في العالم (حوالي 262 مليار برميل)، مما يجعل الوضع السياسي والاستقرار أو عدم الاستقرار في هذا البلد النفطي ذا أهمية كبيرة لدى القوى الكبرى وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية.[1]
أما الخصائص الفريدة والمتميزة لإيران من الناحية الجيوسياسية والاستراتيجية فهي معروفة للجميع ويمكن القول إن موقع إيران ومواصفاتها الخاصة في المنطقة وحتى مقابل السعودية تبرز بشكل أكبر. لذا تعد إيران والسعودية دولتين هامتين وحاسمتين في منطقة غرب آسيا بالنظر إلى إمكانياتهما وخصائصهما.
من المسائل التي تسببت بحدوث خلافات بين الدولتين في السنوات الأخيرة هو تماهي السعودية مع واشنطن في دعم نظام الاحتلال الإسرائيلي. لقد سعى النظام الصهيوني إلى تقديم القوة العسكرية الإيرانية كقوة تهديد هجومي للعالم، ومن هنا قام ببذل جهود كبيرة لتصوير البرنامج السلمي النووي والصاروخي الإيراني كتهديد جدي على الصعيدين الإقليمي والدولي، ومن جهة أخرى ومن خلال تفاقم الأزمات الإقليمية اتهمت إيران بأنها السبب وراء عدم الاستقرار في المنطقة. وقد وفرت هذه العوامل ذريعة لتقارب بعض الدول العربية وفي مقدمتها السعودية مع النظام الصهيوني مما أدى إلى كسر الحواجز حول العلاقات العربية الإسرائيلية تدريجياً وتقديمها كعلاقات مشروعة.
تشير التطورات الأخيرة في السنوات الماضية إلى أن الدول العربية قد سلكت مساراً موازياً للسياسات الأمريكية ولم تكن السعودية استثناءً من هذا الاتجاه.
ومع ذلك فإن الاتفاق بين إيران والسعودية يعد نقطة انطلاق نحو إنهاء التوترات الدبلوماسية بين البلدين. [2]ضف على ذلك بعد السابع من أكتوبر وما تبعه من تصاعد الجرائم التي يرتكبها النظام الصهيوني في غزة ولبنان نهضت الشعوب العربية بعيداً عن حكوماتها ضد الاحتلال الإسرائيلي، مما جعل من المستحيل على السعودية أن تبقى متفرجة أو تصمت أمام جرائم النظام، فبدأت بتبني مواقف صريحة ضد هذا الاحتلال.
ومؤخراً خلال اجتماع طارئ لمنظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية في الرياض الذي انطلق يوم الاثنين 11 نوفمبر، طلب محمد بن سلمان ولي عهد المملكة العربية السعودية من إسرائيل احترام وحدة واستقلالية أراضي الجمهورية الإسلامية الإيرانية وعدم مهاجمة منشآتها النفطية. وفي هذا الاجتماع قال: "ينبغي على المجتمع الدولي أن يطلب من إسرائيل احترام وحدة الأراضي للجمهورية الإسلامية الإيرانية وعدم انتهاكها." [3]في الواقع كانت كلمة بن سلمان في هذا الاجتماع تحمل رسائل مهمة للشعوب العربية والمجتمع الدولي وخاصة الولايات المتحدة والنظام الصهيوني مفادها أن بن سلمان لا يرغب في أن يُعرف على أنه ملك تابع للغرب ورسالة أخرى أكثر أهمية تتمثل في أن أمن منطقة غرب آسيا ضمن أهم أولوياته.
في الواقع أظهرت السعودية أنها لا تريد أن تكون على هامش التطورات الإقليمية التي تتعلق بمحور المقاومة والتي تهدف إلى إنهاء مغامرات النظام الصهيوني والغرب في المنطقة. كانت حرب غزة والتحركات العسكرية الأمريكية في البحر الأحمر بمثابة تنبيه لحكام الرياض بأن السبب الرئيسي وراء عدم الاستقرار في المنطقة والتهديد لأمن الممرات الدولية التي تعتبر حيوية للسعوديين هي السياسات العدائية لواشنطن. لذا من الضروري أن تعيد السعودية النظر في سياساتها وتختار المسار الصحيح.[4]
الآن وبالنظر إلى التطورات خلال العام الماضي يبدو أن الظروف باتت مهيأة للتعاون الأمني بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة العربية السعودية. ومن حيث إن الانسجام مع جبهة المقاومة وتحرر السعودية في المجال الأمني يتعارض مع مصالح أمريكا فإنه إذا أراد السعوديون أن تتسم التوافقات والتعاون مع الجمهورية الإسلامية بالعمق والجدية فإنه يجب أن تكون هناك إرادة سياسية عند حكام السعودية. وقد كانت الكلمة الأخيرة لبن سلمان في قمة رؤساء الدول خطوة أولى وينبغي أن تُتخذ إجراءات عملية تتناسب مع القضايا الأمنية في المنطقة بمشاركة كل من إيران والسعودية.
عموماً يمكن القول إن أهمية التعاون الأمني وإقامة العلاقات بين طهران والرياض تكمن من جهة، في تقليل التوتر وزيادة الأمن في منطقة غرب آسيا مما قد يؤثر بشكل إيجابي على الاستقرار والأمن خاصة أمن الطاقة، ومن جهة أخرى لها تأثير مباشر على رفع مستوى الرفاه والتطوير في دول المنطقة. كما أن هناك قضية مهمة سعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية لتحقيقها دائماً هي مواجهة الحروب وعدم الاستقرار في المنطقة والتي يمكن أن تُتابع وتتحقق بشكل أسرع بالتعاون بين طهران والرياض مستقبلاً.
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال