762
في أواخر شهر سبتمبر عام 2024 عندما خلّفت سلسلة انفجارات متزامنة لأجهزة التواصل الأمني (أجهزة البيجر) في لبنان عشرات الشهداء والجرحى من عناصر المقاومة، أثار ظهور شركة "أبولو غولد" التايوانية كمصنّع لأجهزة النداء المخترقة انتباه الخبراء إلى العلاقات العميقة والمتنامية بين النظام الصهيوني وتايوان في المجالات الحساسة . خلال السنوات الأخيرة تجاوزت العلاقات بين هذين النظامين، اللذين يواجهان "تهديدًا وجوديًا" (أحدهما من إيران والآخر من الصين)، الحدود الدبلوماسية وتوغّلت في أعماق التعاون الدفاعي وأحدث المجالات التكنولوجية؛ فالنقل السري لتقنيات الرادار والصواريخ لبناء قبة تي (نظام الدفاع الجوي التايواني، المُصمّم على غرار القبة الحديدية الإسرائيلية)، إلى تبادل المعرفة في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني وأشباه الموصلات و كلها عناصر تُشكّل صورةً لتحالف "أمني-تكنولوجي" استراتيجي بين تل أبيب وتايبيه، في مواجهة العواصف الجيوسياسية (وخاصةً المنافسة المتزايدة بين بكين وواشنطن).
السياق التاريخي؛ من التعاون السري إلى الشراكة الاستراتيجية
بدأت العلاقات غير الرسمية بين البلدين في خمسينيات القرن الماضي لكنها لم تُتخذ طابعًا رسميًا نظرًا لإصرار بكين على سياسة "الصين الواحدة" (عدم انفصال تايوان عن الحدود الرئيسية الصينية). وقد اعترف النظام الصهيوني بجمهورية الصين الشعبية عام ١٩٥٠، لكن تعاونه العسكري السري مع تايوان استمر منذ سبعينيات القرن الماضي، مثل نقل تكنولوجيا الصواريخ والطائرات بدون طيار (مثل هاربي) والتكنولوجيا النووية غالبًا بوساطة أمريكية. و حتى تسعينيات القرن الماضي باع النظام الإسرائيلي أسلحة متطورة لتايوان لمواجهة الصين وقد أدى ذلك إلى توترات مع واشنطن وبكين.
منذ عام ١٩٩٣ افتُتح مكتبان ثقافيان اقتصاديان (تايبيه في تل أبيب وإسرائيل في تايبيه)، ووُقعت أكثر من ٣٠ اتفاقية تتراوح بين التكنولوجيا (٢٠٠٦) والمياه والحكومة الإلكترونية (٢٠١١). يُصوَّر كلا البلدين في الأدبيات الجيوسياسية الغربية على أنهما "دولتان ديمقراطيتان معزولتان" (بسبب التهديد الذي تُمثله إيران وحزب الله لإسرائيل، والصين لتايوان)، واللتان تشتركان في أوجه تشابه جيوسياسية وتستوحيان ما يُسمى بنموذج "السلام بالقوة".
التعاون السياسي والدبلوماسي
منذ عام ٢٠٢٣ (بعد عملية طوفان الأقصى في ٧ أكتوبر)، شهدت العلاقات بين النظام وتايوان تحسنًا ملحوظًا حيث أدانت تايوان هجوم المقاومة الفلسطينية على الفور. وأرسلت مساعدات مالية وأطلقت حملات ضد "معاداة السامية". كما دعمت تل أبيب تايوان في الأمم المتحدة.
في ٢٧ أكتوبر ٢٠٢٥ التقى الرئيس التايواني لاي تشينغ تي بوفد من أكبر جماعة ضغط إسرائيلية في الولايات المتحدة، لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (أيباك)، وهو أول وفد أمريكي إسرائيلي مشترك في تايبيه وقال:
"غالبًا ما ينظر الشعب التايواني إلى الشعب اليهودي كقدوة في مواجهة التحديات الدولية والتهديدات التي تُهدد السيادة من الصين".[1]
استخدم لاي استعارة "داود في مواجهة جالوت" ووصف النظام الصهيوني بأنه "قدوة قيّمة" للدفاع الوطني!...
في 29 أكتوبر أكد لاي على التعاون الثلاثي بين تايوان والولايات المتحدة وإسرائيل في مجالات الأمن والتجارة والتكنولوجيا، مركزًا على دور تايوان كمركز لأشباه الموصلات (60% من الإنتاج العالمي). في المقابل شهدت تايوان مسيرات ومظاهرات عامة احتجاجًا على "الإبادة الجماعية في غزة".
التعاون الاقتصادي والتكنولوجي
يُعدّ التكامل الاقتصادي القوي ركيزةً أساسيةً للعلاقة بين الدولتين. وقد بلغ حجم التجارة الثنائية بين البلدين 3.2 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مع زيادة بنسبة 30% في السياحة (50 ألف سائح إسرائيلي في تايوان في عام 2025).
تم توقيع أكثر من 30 اتفاقية بما في ذلك في مجالات الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني (2025). ويربط مشروع "جسر التكنولوجيا التايواني الإسرائيلي" الشركات الناشئة الإسرائيلية بسلسلة صناعة أشباه الموصلات التايوانية (TSMC)، وهو قطاع استراتيجي فائق الأهمية في قطاع التكنولوجيا. [2]
تجدر الإشارة إلى أن تايوان تُنتج 90% من الرقائق المتقدمة في العالم، وهو ما يُمثل، وفقًا لبعض التقارير الأساس الحقيقي للنزاع حول تايوان بين الولايات المتحدة وجمهورية الصين الشعبية. ومن الواضح مدى حيوية وأهمية ارتباط إسرائيل بهذه الصناعات الاستراتيجية الفائقة في تايوان. استثمرت شركة فوكسكون التايوانية الاستراتيجية، العاملة في مجال الإلكترونيات عالية التقنية، نصف مليار دولار في تكنولوجيا الدفاع الإسرائيلية العام الماضي. [3][4]
الجوانب العسكرية والأمنية
تستوحي تايوان من النماذج الإسرائيلية مثل القبة الحديدية وقوات الاحتياط التابعة للجيش الإسرائيلي، وذلك لمواجهة الهجمات الصاروخية الجوية في حال غزو الجيش الأحمر الصيني، بالإضافة إلى تقاسم عبء الاستعداد العسكري طويل الأمد[5].
في 10 أكتوبر 2025، قدّم الرئيس التايواني نظام الدفاع الجوي "تي-دوم" - وهو نظام "متعدد الطبقات، يتميز بكشف متقدم واعتراض فعال"، مستوحى من "القبة الحديدية" الصهيونية و"القبة الذهبية" التي طورها ترامب. يهدف تطوير هذا المشروع إلى الدفاع ضد الهجمات الصاروخية الصينية. وقد اقترح خبراء مثل الأدميرال الأمريكي المتقاعد مارك مونتغمري، سابقًا أن تُشكّل تايوان قوة احتياطية مماثلة للجيش الإسرائيلي.[6]
تطوير نقل التكنولوجيا
إلى جانب نقل الطائرات المسيرة والصواريخ والتكنولوجيا النووية من النظام إلى تايوان، والذي استمر لسنوات تسارعَ مؤخرًا تبادل المعرفة في مجال الأمن السيبراني، وطائرات هيرمس المسيرة المتطورة بالإضافة إلى "الدفاع المدني"، بوساطة الولايات المتحدة. ويُقال إن مستشارين صهاينة نشطوا في نقل خبرات "الحرب غير المتكافئة" إلى الجيش التايواني بعد 7 أكتوبر 2023.[7]
ومن النقاط المهمة في مجال هذا التعاون التكنولوجي التقارير التي نسبت حادثة إصابة أجهزة الاتصال التابعة للمقاومة اللبنانية عام 2024 إلى شركة تايوانية. بعبارة أخرى هناك شكوك قوية في أن النظام الصهيوني تعاون بشكل وثيق مع تايوان في واحدة من أكثر العمليات الإرهابية تطورًا في التاريخ.[8]
التحديات
تعتبر الصين العلاقات بين تايبيه وتل أبيب "استفزازية"، وفي يدها رافعة بعنوان التجارة الإسرائيلية الصينية البالغة 25 مليار دولار تستطيع استخدامها للحد منها. بعد 7 أكتوبر اتخذت بكين موقفًا معاديًا لإسرائيل لتوسيع نفوذها في غرب آسيا.[9]
ليس لتايوان دبلوماسية رسمية منفصلة في غرب آسيا. ومع ذلك فإن حدثًا مثل تورط تايوان المحتمل في حادثة إرهابية مثل اختراق أجهزة الاتصال ضد حزب الله اللبناني يضعها حتمًا إلى جانب الكيان الإسرائيلي في الصراعات في هذه المنطقة.
تجدر الإشارة إلى أنه في العلاقات بين تايبيه وتل أبيب، يُعد دور واشنطن عنصرًا لا يقل أهمية عن دور أي من الطرفين، لأن العلاقات بين هاتين الدولتين لا يمكن أن تتحرك خارج إطار المنافسة المتزايدة والمتوسعة بين واشنطن وبكين على "الهيمنة". لذلك فإن أي توسع في العلاقات بين تايوان والنظام الصهيوني، وخاصة في مجال الصناعات الدفاعية والتقنيات المتقدمة، سيؤدي حتمًا إلى رد فعل من الصين. وهنا يمكن اعتبار سيناريو توسيع وتعميق العلاقات في المجالات العسكرية والأمنية والتقنيات المتقدمة بين بكين وطهران بمثابة رافعة موازنة ضد علاقة تايوان المتنامية مع المحور الأمريكي الصهيوني.
[1] https://english.president.gov.tw/News/7029
[2] https://www.calcalistech.com/ctechnews/article/bkuweq0031x
[3] https://spacewatchafrica.com/israelis-ramon-space-partners-foxconn-to-leverage-its-expertise-in-
[4] https://www.foxconn.com/en-us/press-center/events/foxconn-events/340
[5] https://www.inss.org.il/publication/israel-taiwan-2025
[6] https://www.intelligenceonline.com/middle-east-and-africa/2025/10/21/israel-s-helping-hand-for-taiwan-s--iron-dome,110537135-eve
[7] https://www.yalejournal.org/publications/students-of-survival
[8] https://www.middleeastmonitor.com/20241007-exploding-pagers-got-attention-in-taiwan-bilateral-ties-strong-israel-envoy-says/
[9] https://thediplomat.com/2025/07/chinas-taiwan-message-to-israel-and-the-limits-of-pragmatism/
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال