بعد سنوات من الحرب النفسية ومحاولات ترهيب المقاومة وجمهورها، ظهر إفلاس المعسكر الصهيو- أمريكي جليا، وبدأت التقارير الأمريكية والصهيونية تسخر من التهديدات الجوفاء وتتباكى على تآكل الردع وندرة الخيارات المتاحة أمام هذا المعسكر.
ولا شك أن الصمود الأسطوري لمحور المقاومة والعمل الدؤوب والبوصلة الواضحة، كانت الركائز للوصول لهذه المرحلة من الردع، وفي هذه المرحلة، تجاوزت المقاومة العديد من الفخاخ التي تنوعت بين الترغيب والترهيب والفخاخ التي حاولت حرف المسار عن بوصلته التي تمسكت بها المقاومة وتشبثت بها بجدية وصرامة.
وتتميز المرحلة الراهنة بحساسية شديدة ولحظات تبدو حاسمة، لأنها تشكل مفصلاً تاريخياً بين مرحلتين، بل وبين نظامين عالميين، تعنون أولها بمرحلة الاستعلاء الغربي والابتزاز والدبلوماسية القسرية، بينما تعنون الجديدة بمواجهة الحقائق الجديدة وحتمية الاعتراف بها، ويعنون النظام الأول بالنظام أحادي القطبية، بينما يعنون النظام الجديد بالنظام متعدد الأقطاب ومتعدد الأقاليم.
بينما تحاول كيانات زائلة تستشعر الخطر الوجودي على كيانها الهش، كالكيان الإسرائيلي وأنظمة ملكية تستشعر انتهاء دورها الوظيفي التاريخي، أن توقف عجلة الزمن وعجلة التغيير في التوازنات، ولو بقطع التيار وحرق “المعبد” واسقاطه على رؤوس الجميع والدعوة لحلول شمشونية، لن يستجيب لها من لديه خيارات وبدائل وقدرة على الاستيعاب والتعاطي مع المستجدات.
وفي أحدث المستجدات المعبرة عن الهوس الذي يعاني منه أنصار الصهاينة، أصدر عدد من كبار رجال الدولة والمسؤولين العسكريين الأمريكيين نداءً علنياً يوم الجمعة 17 ديسمبر للرئيس جو بايدن للتخلي عن الخيار الدبلوماسي في هذه المرحلة من المفاوضات النووية مع إيران، والشروع في سلسلة من الإجراءات العسكرية المحدودة ضد إيران.
ويقول الموقعون على الدعوة إنه من أجل إنقاذ التحركات الدبلوماسية التي تحاول حل الأزمة، من الضروري إعادة بناء الخوف الإيراني من أن المسار الجاري للمفاوضات سيؤدي إلى استخدام القوة العسكرية ضدها من قبل الولايات المتحدة. واقترح الموقعون على البيان إجراءات يجب أن تشمل تدريبات عسكرية تقوم بها القيادة المركزية الأمريكية بالتنسيق مع الحلفاء في المنطقة، كي تظهر هذه التدريبات للإيرانيين ما ينتظرهم إذا واصلوا تقدمهم النووي. ويقول الموقعون إنه يتعين على إدارة بايدن على الفور تزويد جميع أصحاب رؤوس الأموال في المنطقة بضمانات تمكنهم من الصمود أمام أي إجراءات انتقامية إيرانية.
وبتأمل هكذا بيانات، نجد تناقضاً صارخاً بينها وبين الاستخلاصات العسكرية التي ترمي إلى إظهار صعوبة الخيار العسكري وإلى استحالة تحمل تداعياته بسبب الردع الإيراني. ويمكننا هنا إلقاء نظرة سريعة على تقريرين للاستخبارات الصهيونية نشرهما موقع “دبكا فايل” الصهيوني، ويتعلقان برادعين رئيسيين:
1- نشر “دبكا” نقلا عن مصادر استخباراتية غربية، أن إيران نصبت في مدنها الصاروخية تحت الأرض نظام إطلاق صواريخ أوتوماتيكي قادر على إطلاق 5 صواريخ باليستية في وقت واحد، وأطلقت إيران مؤخراً محركاً صاروخياً جديداً يعمل بالوقود الصلب.
2- بحسب “دبكا”، فإنه رداً على تقارير حول استعداد الولايات المتحدة و “إسرائيل” لمهاجمة البرنامج النووي الإيراني، أطلقت القيادة العسكرية الإيرانية سلسلة من المنشورات والتهديدات بإبادة كل من يجرؤ على مهاجمته.
وركز “دبكا” هنا على نشر الإيرانيين لصور ورسومات لمدينة صواريخ تحت الأرض وتفاصيل عن الاستعدادات لإطلاق قمر صناعي إيراني إلى الفضاء. ونقل عن مصادر عسكرية أنه إذا أطلق الإيرانيون قمراً صناعياً إلى الفضاء، فهذا يعني أنهم تمكنوا من تجميع رأس حربي فوق صاروخ باليستي عابر للقارات وإرساله إلى مسافة تزيد عن 2000 كيلومتر. وسيتم إطلاق القمر الصناعي الإيراني إلى الفضاء على صاروخ Simorgh، الذي يبلغ مداه أكثر من 4000 كيلومتر.
وهنا، نود التذكير بما قاله نائب رئيس أكاديمية علوم الصواريخ والمدفعية الروسية كونستانتين سيوكوف الذي خلص إلى أن إيران واحدة من أكثر الدول تقدماً وتطوراً في المجال العسكري، وواحدة من أكبر أربع دول (التي تشمل روسيا والولايات المتحدة والصين وإيران)، وتنتج أنظمة الصواريخ بمختلف أنواعها القصيرة والمتوسطة، وحتى بعيدة المدى.
ولا يخفى على أحد أن الصواريخ الايرانية تتخطى المسافة بين الأراضي الإيرانية وفلسطين المحتلة والتي تبلغ في المتوسط نحو 2000 كيلو متر، حيث طورت إيران في العام 2008، أي منذ 13 عاماً، صاروخ سجيل محلي الصنع، ذا المدى 2000 كم، وهو أول صاروخ بوقود صلب ويعمل على مرحلتين.
وفي العام 2017 طوّرت صاروخ “خرمشهر” محلي الصنع، مداه 2000 كم، وهو جيل جديد للصواريخ بعيدة المدى بوقود سائل مميز.
وفي العام 2019 طوّرت صاروخ “خرمشهر – 2” محلي الصنع، مداه 2000 كم، وهو جيل جديد برأس حربي واحد يتم التحكم به.
وفي نفس العام أيضاً، تم الكشف عن صاروخ “حاج قاسم” ومداه 1400 كم، وهو أبعد صاروخ باليستي تكتيكي في إيران والعالم. وتم الكشف عن نسخة من عائلة صواريخ ذو الفقار اسمها “ذو الفقار بصير” مضادة للسفن ومداها 700 كم.
ولا بد من الاشارة الى أن المقاومة تتبع سياسة الغموض البناء ولا تكشف أوراقها، وأن إيران وحدها كفيلة بأن تطال يدها العدو الصهيوني وتردعه، فماذا لو توافق محور المقاومة واتخذ القرار بالمواجهة الشاملة؟
بقلم: إيهاب شوقي
الرأي
إرسال تعليق لهذا المقال